الحب والزواج والوراثة

قصة الممرضة والمرأة التي اصبحت سفيرة لأقاربها

رابط للمقال بصيغة بي دي اف للتحميل و التصفح

 adat_small2

أنتم ما تعلمون شكثر احبه! أنتم ما تعرفون أنى ما أقدر اعيش بدونه! انا ابي أتزوجه حتى لو ما أنجب اطفال! هكذا كتبت تلك الفتاة بعد ان سجل معنا حبيبها في منتدى الوراثة الطبية على الانترنت لكي يسأل عن الحلول في حال زواجهم وهما يحملان مرض وراثي متنحي (مرض الأنيميا المنجلية). كان الرجل أكثر عقلانية في تفكيره لكنه محتار ولسان حالة يقول “امام الحب العقل ليس له مكان للأعراب”. المنطق يقول ان زواجهم غير متوافق طبياً ففي كل مره تحمل فيها تلك الفتاة من حبيبها في حال زواجهم فان هناك 25% احتمال اصابة الجنين بمرض وراثي وهذا النسبة ثابته في كل حمل وهي نسبة حقيقية وليست مشكوك فيها. كان النقاش في البداية يدو رحول الحلول الطبية لكي يتجنبوا اصابة اطفالهم وللأسف الحلول ليست بالسهلة ولكنها ليست مستحيلة. طبيا لا يوجد حقن او اقراص دوائية تعطى للمرأة قبل الحمل او خلال الحمل لتجنب الاصابة عكس ما يعتقد ويتداول بين عامة الناس (وقد يكون مصدر هذه المعلومة الخاطئة ان الكثير سمع أ، المرأة التي فصيلة دمها سالبة تحتاج حقنة لمنع حدوث مشاكل للجنين في الحمل القادم بعد الولادة). والطب الى الان لم يكتشف طرق للعلاج الوراثي خلال الحمل حتى لو اكتشفه في الاسابيع الاول من الحمل. لم يكن هناك امام ذلك الحبيبان الا امرين اما الفحص خلال الحمل ومن ثم اجهاض الجنين لو ثبت انه مصاب وتم الحصول على موافقة شرعية بهذا الأمر او القيام بما يعرف بالفحص الوراثي قبل الغرز وهو بالمختصر تقنية تعتمد على فكرة طفل الأنابيب ويتم خلالها فحص البويضة الملقحة بالمختبر ثم غرزها بعد ثبوت سلامتها بالرحم وإذا نجح الغرز (ينجح بنسبة 30% في أفضل الاحوال) فان الجنين يكون سليم. هذه تقنية مكلفه ناهيك أنك بحاجة الى عدد كبير من هذه المراكز المتطورة (توجد فقط في مركز واحد حكومي واخر خاص بالسعودية) لكي تساعد كل من يتزوج وهو غير متوافق. بعد الكثير من الحوار لم نصل لحل لهذه المشكلة لكن كان النقاش مفيد حيث وضع الحقائق امام الطرفين وما عليهم الا ان يفكرا عميقا في الأمر ثم يحسما امرهما. كان الله في عونهما وأرشدهما لما فيه مصلحة لهما في حياتهم ورزقهم الذرية الصالحة وحفظها من كل سوء.
هل تعلم انه 90% من السعوديين ممن أظهرت فحوصاتهم الطبية قبل الزواج انهم غير متوافقين وانهم ناقلين لاحد امراض الدم الوراثية تزوجوا رغم توضيح الاطباء لهم بعدم التوافق؟! كان هذا في اول سنة “فرض” فيها الفحص قبل الزواج في عام 1424 هـ (2004 م) وبعد مضي عشر سنوات على البرنامج مازال 50 الى 60% مصر على الزواج رغم عدم التوافق. وعند تحليل الاسباب وراء هذا الاصرار على الزواج في أحد البحوث وجد ان 50% من الاسباب ناتجة عن ضغوط اسرية وبسبب ان تحضيرات الزواج تم الأعداد لها ولا يمكن الرجوع عنها! و30% من الأسباب ترجع الى قصة حب خلف ذلك الزواج.
إذا فهناك 80% من حالات زواج غير متوافقة طبيا ووراثيا ترجع الى العادات والتقاليد والعاطفة. فالسؤال الذي يتبادر على ذهن كلا منكم الأن هل سوف يثبت هذا الزواج امام عاصفة ولادة اول طفل بمرض مثل الانيميا المنجلية التي يصاحبه الام متكررة وشديده في العظام لا يفيد فيها الا الأدوية المخدرة او مرض مثل مرض الثلاسيميا التي يحتاج فيها المريض لنقل عدة اكياس من الدم شهريا مدى الحياة؟ يا ترى ماذا سوف يكون جواب الاب او الام عندما يعرف الطفل ان الابوين تزوجا رغم انهم يعرفان انهم سوف ينجبا طفل مصاب بمرض يؤدي الى الالم وفقر دم مزمن؟ هل تتوقعون ان الجواب سوف يقنع المصاب وهو في سن المراهقة عندما يعرف ان ابويه تزوجا رغم معرفتهم بعدم التوافق. هل سوف تلومون هذا المراهق او البالغ عندما يقول ويصرخ في وجه ابويه وما ذنبي؟ ويقول أنتم انانيون محبون لأنفسكم! انتِ يا امي لم تكترثي وتستعملي مانع للحمل لكي تقومي بعدها بالفحص الوراثي قبل الغرز. للأسف ليس طفل واحد سوف يولد بهذا المرض لتلك الأسرة بل اطفال عده وفي كل مره يحاول هذا الزوج وزوجته ان يقنع نفسه ان الحمل القادم سوف يكون الطفل سليم وهكذا تتكرر المأساة ويصبح الزواج صراع وخصام وسفينة يعصف بها رياح الخلاف والألم والحزن وأقرب جزيرة امامهم للخلاص من هذه المحنة هي جزيرة الطلاق ومزيد من ضياع للأطفال وتستمر المأسي والقصص وليس هناك من معتبر.
الغريب أنك عندما تحاور تلك امرأة او الرجل اللذان يصران على الزواج رغم عدم التوافق وتقول لهما ان هناك 25% احتمال حقيقي للإصابة يرد عليك انه لن ينجب! وعندم ترى حالها تجدها لا تستعمل اي نوع من موانع الحمل! او تستعمل انواع ليست ذات فاعليه كالعزل الطبيعي!! البعض يخدع نفسه ولو كان فعلا لا يريد ان ينجب فل يجيب على سؤال خطير “هل هو مستعد ان يقوم بربط للقناة المنوية او للأنابيب في الرحم قبل الزواج”؟!! لو كان مستعدا للقيام بذلك فهو فعلا صادق فيما يقول اما غير ذلك فهو مازال تحت تأثير العاطفة. طبعا الحل لمن يتزوج وهو ناقل لمرض وراثي متنحي هو ان يلجأ الى ما يعرف بالفحص الوراثي قبل الغرز كما ذكرنا وهي طريقة -وان كانت مكلفه وتحتاج الى مراكز متقدمة -ناجحة في تجنب اصابة الاطفال بالمرض. نحن نقول ان هذه الطريقة لمن “اضطر” للزواج لأنه يصعب ان تستعمل هذه الطريقة للجميع في الوقت الحالي اما من لديه فرصه لان يوقف عمليه الزواج ويبحث عن شريك اخر فليفعل لعل الله ان يكتب له السعادة والذرية الصالحة.

hob9_small

اتذكر امرأة تعمل ممرضه كتبت لنا تقول انها تحس بالاسى لأنها تزوجت وهي تعلم انها وزوجها غير متوافقين طبيا. ومصدر الأسى هو انها تعلم بعدم التوافق قبل الزواج!  و كان ذلك في أوائل تطبيق برنامج الفحص الاجباري قبل الزواج في السعودية. تقول ان خالها “أقنعها” بالاستمرار بمراسم الزواج رغم انها مثقفه وتعلم أكثر من غيرها ان هناك احتمال اصابة لأطفالها بمرض الأنيميا المنجلية. هل تتوقعون هذه المرأة سوف تكون شاكره لخالها؟ ماذا تتوقعوا ان تكون حياتها الزوجية؟ كان قرار مصيري لكن تم القرار بضغوط اسرية وعادات وتقاليد وخوف من “كلام الناس” مثل “كيف الناس بتقول عنا”؟  بعد هذه القصة صممنا بوستر توعوي من موقع الوراثة الطبية كتبنا فيه “لا تسمح للعواطف والعادات تطغى على العقل”

طبعا فحوصات قبل الزواج الحالية تفحص فقط عن مرضين وراثيين علما ان عدد الأمراض الوراثية تتجاوز 8 الاف مرفقي الوقت الحالي ولا يمكن فحص جميع هذه الأمراض دفعه واحده رغم ان هناك مبشرات تقنية (تعرف بتسلسل الاكسونات) تمكن الاطباء والمختصون من فحص جميع الأمراض الوراثية المكتشف لها جين دفعه واحده، ولكنها مكلفه جدا في الوقت الحالي. لذلك فمعظم الاطباء من ناحية الفحص قبل الزواج ينصحوا اولا وثانيا بتجنب زواج الاقارب ثم على الجميع ان يهتم بالمعلومات عن شجره للعائلة وتحليلها للنظر إذا ما كان هناك مرض معين مشتبه فيه انه وراثي فان وجد فينصح بعمل فحص وراثي عن هذا المرض للطرفين المتقدمين للزواج. طبعا الفحص يلزم ان يتم القيام به على المصاب اولا ثم يجرى على الاخرين.

اتذكر أيضا امرأة اصيب اطفالها بمرض وراثي متنحي يسمى ضمور العضلات الشوكي حيث يؤدي الى ضعف شديد في العضلات يتبعها عدم قدرة على البلع والتنفس ثم الوفاة خلال سنه او سنتين من العمر وهذا المرض ليس ضمن الأمراض التي تفحص في السعودية قبل الزواج. هذه المرأة اصبحت هي حلقة الوصل بيننا وبين جميع اقاربها من الرجال والنساء في احضارهم للفحص قبل الزواج. فقد تم عمل الفحص خلال عدة سنوات لأكثر من طرف في عائلتها. كذلك رجل اخرى نسق معنا لفحص ابنه الذي يود الزواج من ابنت عمه وفي الاسرة مرض وراثي اسمه تضخم الغدة الكظرية الخلقي وتم الفحص والحمد لله كان أحدهم حامل والاخر ليس حامل للمرض وتم الزواج. كذلك امرأة اصيب لها أكثر من طفل بضعف وهشاشة في قرنية العين ادت الى فقدان للبصر لأكثر من طفل لها قامت بالتعاون معنا بشكل بحثي لاكتشاف الجين المسبب للمرض ثم معرفه من اولادها البالغين ايضا ناقل للمرض لكي يتجنب الاصابة عندما يتزوج. القصص كثيرة وقد تكون تجارب و معانات هذه الاسر تعطي الاخرين اتساع في التفكير بعقلانية والتخطيط لتجنب اصابة ذريتها بالأمراض الوراثية لعله يجلب السعادة لهم والصحة لذريتهم. ومن لم يتعظ فعلتيه بالحكمة التي تقول اسأل مجرب ولا تسأل طبيب واسمع قصص من مروا بنفس وضعكم وماذا حل بهم. اسأل الله للجميع السعادة وان يرزقهم الذرية الصالحة.

 

د. عبد الرحمن فايز السويد

استشاري الوراثة الإكلينيكية وطب الأطفال
مدينة الملك عبد العزيز الطبية بالحرس الوطني بالرياض
25 ابريل 2014