مجموعة الدعم الأسري للأنيميا المنجلية والثلاسيميا

لدعم مرضى وأسر الأنيميا المنجلية والثلاسيميا

قصتي

من على ضفاف الألم

من على ضفاف الألم

سأتحرر من رتابة المرض وقهر الألم وسلطان المعاناة وجبروت السقم وأسر الهموم والآلام وسأكتب وأنقل بقلمي ما يجول في خاطري وما لا يخرج من بالي ومن جسمي .
قدر الله الأقدار قبل خلق السموات والأرض فقدر لنا ما نحن فيه الآن قبل هذه الآلاف وربما الملايين من السنين فله الحمد حتى يرضى وله الحمد إذا رضي وله الحمد بعد الرضى ، فكان قدري هو ما سأدبلجه على هذه الأسطر وأسأل ربي ألا يجعل في طيات حروفها مثقال ذرةٍ من إعتراض أو إحتجاج فأبوء بذنب كل حرفٍ وأكون من الخاسرين ولكنها عباراتٌ وعبرات إحتبست بها أنفاسي وخنقت حنجرتي بشهقاتٍ مكتومة مصحوبتاً بدمعات ربما تسكن بعضاً من الألم وتضمد الجراح وتثقب شيئاً من سحابات الهم العاتمة والألم الراكدة .
بداية قصتي منذ سنين عمري الأولى عندما جال بي والدي المستشفيات وفي أشهرها في جدة أتت جميع التحاليل سليمة ما عدا الأخير والذي ستكون نتائجه في اليوم التالي ، توقع والدي أن يلحق بسابقيه ولكنه وعلى غير المتوقع … إكتشف الأطباء أنني مصاب بمرض الأنيميا المنجلية (( أتوقع بأنكم سمعتم بها من قبل وهي كما يظنها الكثير مرض بسيط )) .
من على السرير الأبيض وعلى تأثير المسكنات وتسكين المهدئات وتخدير المخدرات من على ضفاف السقم وشواطئ المرض ومركب الألم وبحرٌ طـــويـــــل رحلاتي فيه من هذا النوع كثيرة وزادي من الصبر قليل ونافذ أنقل لكم بعضاً مما أجد وأُحاذِر وأُلخص لكم ولو شيءٍ بسيط من رحلاتي وجولاتي .

عندما امتلأ القلب ولم يُبدي لساني رغبةً بالحديث نظرت إلى قلمي المركون بجانبي فأومأ لي القلم في صمت الساكن الجماد فعلمتُ أنه لم يُبدي ممانعة ً في خوض حملة التفريغ الكبير ولربما الأكبر ، تحول بعدها البصر لأناملي التي تحمل نصيبًا من معاناة المرض كون الإبر والكنيولات تُعطى فيها فأخذت بالإنقباض والإنبساط آملاً من الرب جل وعلا ألا تنتابني نوبة ألم حتى إكمال ما قصدت البدء به ، أمسكت القلم وبسم الله مجريه ومرسيه وسبحان الذي سخر لنا هذا وما كُنا له مقرنين .الشعور بالألم لا يمكن وصفه لمن حولي ولكنه يُترجم في صرخاتي وصيحاتي ويُقرأ في تعابير وجهي .
فقد عزف المرض على أوتار عظمي أقسى الآلام وأحزن سيمفونيات المعاناةَ.
تسود الدنيا في ناظري ، ليس احتجاجاً ولا اعتراضاً ، ولكني حينما أرى دموع أُمي تُبلل خدها أشعر بشعورٍ غريب أنسى خلاله الألم رغم شعوري به وقد أرفع صوتي عليها بالكف عن ذلك لأنه شعورٌ يقتلني أثناء مقتلي من شدة الألم فأُقتلُ مرتين على الأثر .
يرخص في عيني كل ما أملك في مقابل ساعة واحدة فقط من دون معاناة .

((إنتابتني نوبة وتوقفت وهذه العودة ))

اليوم هو فجرٌ جديد ويومٌ آخر والألم سيد اللحظة وأباً للموقف ، أكتب هذه الأحرف بعد ساعة واحدة فقط بعد مسكن بعث في يدي قوةً لتمسك القلم وتكمل ما قررت البدء به ، بجواري أبي أثقلت كاهله آلامي وصرخاتي دوماً هو بجواري مسكناً لآلامي وماسحاً لدمعاتي شاداً لأزري مصبراً لي ومواسي على مصيبتي .
وبعد برهة سرحتُ بذهني وأستعرتُ من التاريخ سجل الصابرين على إبتلائاتهم الذين خلدهم بين مقدمته وخاتمته ومابين جلدتيه وإذا في الفصل الأول من الكتاب الأول وفي الصفحة الأولى قصة سيدي أيوب عليه السلام وصبره الدائم لسنين طِوال وعِجاف عليه وعلى عائلته فأرجعتُ الكتاب فور قراءتي عناوين القصة وأدركت بأن للرب حكمةً هو أعلم بها حينما وزع الأقدار وأدركت أنه ليس بمقدوري تحمل ما تحمله سيدي أيوب فقد رزقه ربي الصبر على المرض وعلى الإبتلاء والمحن التي واجهته وزوجته ونجح في إختبار إيمانه وإمتحان صبره بتفوق مع مرتبة الشرف الأولى والمركز الأول فأصبح مضرباً للمثل ، ولإن نسيتُ المرض والآلام أو بعبارةٍ أصح صبرتُ عليها فليس بمقدوري تحمل عتمات الهموم والقلق والخوف من وعلى مستقبل في ساحة الإعدام منتظراً دوره للشنق بعد طموحاتٍ أخرى سبقته بعد أن وئدتها الظروف وقهرتها المتغيرات وطُبق فيها الحكُم أمام أعيني فذهبت إلى النهاية واللارجعة ولم يبقى لي سوى رثائها بذكرياتي لها عندما كانت هي الحلم .
في كل مكانٍ من جسدي للوخز فيه أثر حتى أصبحت أصعب من أُواجه من الممرضات و الممرضين لإيجاد وريد لإدخال الكنيولة حتى أصبحوا يستعينون بالأطباء أحياناً وأخصائي المختبر وغالباً أنهم لا ينجحون .
الموتُ كابوسٌ مع كل نوبة وأحياناً أُمنية فأصبحت مستعداً له ي كل لحظة متوقعاً حدوثه في ثانية فلم يعد في قلبي مثقال ذرةٍ من خوفٍ منه ((فما أرى نفسي إلا ميتاً على قيد الحياة )) .
مستقبلٌ مجهول في ظل مرضٍ وتحت كنف آلام لا تأفل ولا تعرفُ المغيب عن عظامي ومفاصلي فأصبحتُ متردداً هل أترك دراستي وأتفرغ لآلامي أم أواصل الصمود .
الصمود الذي لم يبقى منه إلا قدم واحدة متهالكة عن رفعه ، فأصبحت معنوياتي مُنهارة . فلم تعد تنفع كلماتُ رفع المعنويات و لا شد الأزر ، فالواقع الذي أعيشه بحرٌ تتحطم فيه كل مراكب النجاة .
كلما شاهدت طفلاً أحسده على طفولته ، وأتمنى لو تعود لي بسمة الطفولة التي سلبتها الآلام ومزقتها الأسقام ووئدتها الهموم العاتمة على صدري .
ليس معنى ما ذكرت أني عندما كنت طفل أني لم أكن أمرض ولكن كانت تسعدني رغم آلامي حلوى أو لعبة صغيرة ، فترسم على شفاهي أحزن الإبتسامات ليس في نظري ، ولكن في نظر والديَّ فيسعدان بتلك الإبتسامة ((الحزينة)) فيحاولان الإكثار منها مكثرين شراء الألعاب والحلويات فتراها مالئةً للمكان ، أما اليوم فليس لي بتلك الإبتسامة ولإن ابتسمت شفاهي فإني ما زلت عاجزاً عن إيجاد شفرات إبتسامةُ قلبي حيث لم يبقى لي إلا الألم والهم والتفكير في المستقبل الذي يصغر مع مرور الزمن فكما نعرف الزمن قطارٌ سريع لا يعرف الوقوف ولا الإنتظار .
تخلى عني أغلب الأصحاب حتى من كان الأقرب منهم إلى قلبي ولم يبقى حولي إلا من تعدهم على أصابع يدك ولكن من تعدهم أثبتوا لي معنى الصداقة وعرفوها لي بأفعالهم من دون كلمات ، قد يقرأ منهم أحد هذا الموضوع فلذلك أوجه لهم أسمى عبارات ومعاني الشكر على ما فعلوه وأخص منهم واحداً . ((هو يعرف نفسه ))
فتذكرت البيت القائل

جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقـي………… وما شكري لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي

رغم كل ما ذكرت وما أشعر به فإني أرى في الأبواء غيوماً ومن حولي قشائش ربما تكون إحدى هذه الغيوم غيمتاً تكون الفرج المنتظر وإحدى هذه القشائش قشةً تحملني لبرِ الأمان فما دمت أتنفس فالأمل موجود ((ويا هم لي ربٌ كبير )).
هذه مقتطفات ومحطات من وقائع حياتي التي أسأل مغير الأحوال تبديل حالي وأحوالكم إلى أحسن حال وأن يرزقني الصبر على ما إبتلاني به وأن يجعل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل همٍ فرجاً ومن كلِ ضيقٍ مخرجاً سبحانه هو الولي والقادر لا إله إلا هو .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

 

 

 

كاتب القصة:اسيرالألالم

المصدر

اترك تعليقاً