الأثار النفسية لأمراض الدم الوراثية
د.محمد الحسن خالد
( هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء)
الزواج وتكوين أسرة أُمنية كل شاب وشابة وهي سنة الحياة والأبوة والأمومة غريزة أودعها الله فينا ونتفانى في توفير حياة أفضل لأبنائنا وتقديم رعاية متكاملة نفسيا وصحيا وتعليميا وثقافيا ودينيا لتنشئة جيل صالح وذرية طيبة قادرة علي العطاء وعمارة الدنيا.
لتحقيق هذا الهدف أصبح لزاما علينا الإلمام بالأمراض الوراثية الشائعة في المجتمع واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة وعلي رأسها الفحص الطبي قبل الزواج لنتفادى كثيرا من الأمراض الوراثية وعلي سبيل المثال أمراض الدم الوراثية المنتشرة في هذه المنطقة والذي أكدته الدراسات العلمية:-
المنطقة الشرقية من أكثر مناطق المملكة العربية السعودية التي تنتشر فيها أمراض الدم الوراثية ففي دراسة₁ مسحية أجريت علي عينة من الأطفال واليافعين بمختلف مناطق المملكة اتضح أن فقر الدم المنجلي منتشر بصورة كبيرة علي مستوي المملكة ( 24 في كل 10000 )وأعلي نسبة وجدت في المنطقة الشرقية حيث بلغت 145 حالة في كل 10000 و تليها المنطقة الجنوبية حيث بلغت النسبة 24 في كل 10000.
النوع الآخر من أمراض الدم الوراثية المنتشرة بالمنطقة الشرقية هو فقر دم البحر الأبيض المتوسط ( الثلاثيميا) ففي دراسة₂ أجريت بالاحساء في الفترة من فبراير 2004 م ونوفمبر 2004 م لعدد من المقبلين علي الزواج بعد صدور ا قرار مجلس الوزراء الموقر على تطبيق الضوابط الصحية للزواج على جميع السعوديين قبل الزواج حيث كانت نسبة الحاملين للعامل الوراثي لفقر دم البحر الأبيض المتوسط ( الثلاثيميا) 3.4%.
رغم بداهة الأثر النفسي السيئ والأعباء والمعاناة التي يمكن أن يسببها المرض الوراثي عموما وأمراض الدم الوراثية علي وجه الخصوص لطفل في الأسرة ومضاعفاته علي الطفل المصاب فقد تم إثباتها علميا بكثير من الدراسات ووضحت صورها لتسهيل التعامل مع تلك الآثار ومحاولة السيطرة عليها أو درءها والمساعدة في تحقيق التكيف مع مشكلة الفرد المصاب في الأسرة ولزيادة معرفة المجتمع مدي خطورة التزاوج بين حاملي الجينات المورثة للمرض..
أحد الدراسات الحديثة₃ و الموسعة لبحث الآثار النفسية للأمراض الوراثية عموماً خلصت إلي تحديد عدة أنواع للاستجابة العاطفية للمرض الوراثي :
1.القلق
2.الخوف من المخاطر التي سيواجهها الطفل
3. الشعور بالذنب
4. الغضب
5. الخوف من المصير المجهول
6.الحزن والأسى
7. الاكتئاب النفسي
8. التكيف التعويضي :- هذا النوع من الاستجابة العاطفية يعتبر ايجابيا لأنه بسب المرض الوراثي تظهر لأفراد الأسرة فرص للمشاركة في أعمال خيرية داعمة للمرضى الآخرين وتفتح أمامهم عوالم جديدة من العلاقات الاجتماعية والصداقات الجديدة ويصبح هذا نوعا من التكيف التعويضي ويكون أحد السبل للشعور بالأمل والمستقبل المشرق.
1. المضاعفات النفسية للأنيميا المنجلية:
عزت بعض الدراسات₄ المضاعفات النفسية للأنيميا المنجلية لأسباب اقتصادية واجتماعية أكثر من تأثير المرض في حد ذاته.
كثير من الدراسات أثبتت انتشار الاضطرابات النفسية بين المصابين بفقر الدم المنجلي رغم عدم ملاحظة ذلك أثناء الممارسة السريرية في هذه المنطقة خلاف بعض حالات الاعتماد علي مسكنات الألم وسنورد مثالين من تلك الدراسات العالمية والمحلية المتعلقة بالمضاعفات النفسية لأمراض الدم الوراثية:
دراسة أجريت علي الأطفال الأفارقة الأمريكيين المصابين بفقر الدم المنجلي أثبتت معاناتهم من الاكتئاب النفسي مقارنة بالأطفال الأصحاء من نفس المجموعة العرقية.
وفي دراسة حديثة أجريت بمنطقة الاحساء ( كلية الطب جامعة الملك فيصل بالاحساء)للاضطرابات النفسية بين عينة من اليافعين الذين يعانون من فقر الدم المنجلي وخلصت الدراسة للآتي:
1. وجود درجة عالية من اضطراب التكيف والقلق النفسي بين مرضى فقر الدم المنجلي مقارنة برصفائهم الأصحاء.
2. الهوية الجنسية (الذكور) والمستوي الاقتصادي العالي من عوامل الوقاية من الاضطرابات النفسية.
3. نوبات الألم المتكررة عامل خطورة مستقل لحدوث اضطرابات نفسية.
وفيما يلي نورد بعض المضاعفات العضوية لفقر الدم المنجلي التي تؤدي إلي أعراض واضطرابات نفسية:-
• 45% من الأطفال من سن 8 إلي 11 سنة يعانون من التبول الليلي بسبب فشل الكلية في تركيز البول وشرب كميات كبيرة من السوائل.
• يتعرض حوالي 5% منهم إلي جلطات بالدماغ يؤدي إلي خلل في القدرات العقلية.
• الأطفال الأقل من 10 سنوات يتعرض بعضهم للعمى نتيجة تلف بالشبكية.
• بطء وتعوق النمو مما يؤخر البلوغ و يجعل المصاب يبدو أصغر من عمره ولا يقوى علي التنافس العضلي مع أقرانه مما يعرضهم للسخرية.
• التدهور الدراسي لأسباب اجتماعية واقتصادية والمشاكل الأسرية وكذلك المشاكل الصحية الناتجة عن المرض مثل الفتور والإرهاق وكثرة التنويم بالمستشفي مما يؤدي للغياب من المدرسة.
• مصاعب في القراءة والهجاء مقارنة مع أقرانهم من نفس العرق، الجنس ، العمر والوضع الاجتماعي والاقتصادي..
• في مرحلة المراهقة بعضهم يعاني من عدم الرضي بمظهر أجسامهم مما يؤدي للانطواء والانسحاب اجتماعيا مع ظهور أعراض الاكتئاب.
• أيضا في مرحلة المراهقة وما بعدها تظهر مشاكل الاعتماد (الإدمان) علي مسكنات الألم مع أعراض القلق ونوبات الهياج وتوهم المرض.
• مشكلة الإدمان والاعتماد علي مسكنات الألم من المشاكل التي يواجهها بعض مرضى تكسر الدم وليس كل الحالات هي حالات اعتماد ومرضى التكسر كغيرهم من فئات المجتمع الأخرى بينهم من لديهم القابلية للاعتماد علي المسكنات وكما هو معلوم أن خطر الإدمان يكمن في الشخص وليس في المخدر وعليه ليس كل من يتعرض لتعاطي عقار يعتبر مدمنا أو متعودا فقد تبين أن المتعة التي تسببها المستحضرات الأفيونية متناسبة تناسبا مباشرا مع درجة الاعتلال النفسي للشخص الذي يصبح مدمنا.
• لتفادي مشكلة الاعتماد علي مسكنات الألم وخاصة الأفيونية منها يجب مراعاة السمات الشخصية لمريض تكسر الدم المنجلي وضرورة اعتماد بروتوكول ويكون تطبيقه ملزماً في علاج نوبات الألم بين هذه الشريحة من المرضى منعاً للاجتهاد الشخصي الذي قد يؤدي لدخول المريض في دوامة الاعتماد علي المخدرات وزيادة معاناته .
2. المضاعفات النفسية لأنيميا البحر الأبيض المتوسط( الثلاثيميا):
تحدث المضاعفات النفسية العضوية عادة نتيجة للمرض أو لمضاعفات العلاج :
• لوحظ تدني المكون اللفظي للذكاء في بعض من يعانون من الثلاثيميا ويعزى ذلك لأثر الأنيميا علي خلايا المخ أو بسبب التدهور المعرفي الناتج من ترسب الحديد في المخ.
• الاضطرابات النفسية التي تحدث لاحقا ربما تكون بسبب مضاعفات اضطراب وظائف الغدد الصماء المصاحب للثلاثيميا مثل تدهور وظيفة الغدة الدرقية.
• في دراسة حديثة₇ أجريت علي مرضى الثلاثيميا وجدت نسبة تفشي الاضطرابات النفسية بينهم أقل مما نشر في الماضي رغم تفشي الأعراض النفسية بينهم وأكثر الاضطرابات النفسية حدوثا هو الاكتئاب النفسي الجسيم ولكن نسب الانتحار بينهم لا تزيد عن النسب في عامة المجتمع.
الخلاصة :
مما تقدم أعلاه يتضح الآتي :
1. الأمراض الوراثية لها تأثيرها النفسي علي المريض والأسرة وخاصة الوالدين.
2. أمراض الدم الوراثية تؤدي للإعاقة العضوية والعقلية ويصاحبها الكثير من المعاناة النفسية والتدهور الدراسي.
3. ضرورة تشخيص المرض الوراثي مبكرا لتقليل أثر الاستجابات العاطفية السلبية علي الأسرة والتدخل العلاجي السريع لتقليل المعاناة و المضاعفات والإعاقة.
4. توفير الخدمات العلاجية والدعم النفسي الذي يرضي طموحات وتوقعات أسر هؤلاء المرضي له أثره في الوقاية من المضاعفات النفسية.
5. دائماً الوقاية خير من العلاج وأحد وسائل الوقاية الهامة قرار مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية الذي ينص علي إلزام طرفي عقد النكاح بإحضار شهادة الفحص الطبي قبل إجراء العقد، وأن يكون هذا الإجراء أحد متطلبات تدوين العقد مع ترك حرية إتمام الزواج لصاحبي العقد بصرف النظر عن نتيجة الفحص الطبي سلباً كانت أم إيجاباً .
المراجع:
التنبيهات/التعقيبات