987

 

تعد جمعية الإمارات للثلاسيميا هي الجمعية الأولى على مستوى دولة الإمارات والعالم من ناحية تقديم الخدمات للمرضى، أسسها عبدالباسط مرداس وزوجته خالدة خماس عام 1996 عند اكتشافهما إصابة طفلها البكر محمد بمرض الثلاسيميا، خاصة مع قلة الوعي بالمرض في تلك الفترة في الدولة، وعدم وجود مرافق متخصصة بعلاجه، وقامت الجمعية بدور ريادي في نشر الوعي بين أفراد المجتمع والتشجيع على الفحص الطبي قبل الزواج.

خالدة خماس: المرضى وأمهاتهم لقبوني بـ«أم الثلاسيميا»
تشغل خالدة علي خماس الملقبة بـ «أم الثلاسيميا» منصب المدير التنفيذي وأمين سر جمعية الإمارات للثلاسيميا، واضطرت بعد رحلة طويلة استمرت أكثر من 14 سنة في مجال التدريس، إلى ترك مهنتها في سبيل خدمة طفلها البكر محمد المصاب بالثلاسيميا، ومن بعدها قامت بتأسيس جمعية الإمارات للثلاسيميا، ووظفت كامل وقتها في سبيل التخفف من معاناة المصابين وأهاليهم عبر الخدمات المادية والمعنوية التي تقدمها لهم الجمعية.
تتحدث خالدة بداية عن ولادة ابنها محمد واكتشاف إصابته بالمرض، وتقول: ولدت ابني البكر محمد في عام 1989 في مستشفى لطيفة (مستشفى الوصل في ذلك الوقت)، وفي اليوم الثاني لولادته، أخبرنا الأطباء بأن طفلي يحتاج إلى دم، وبعدها بأشهر قليلة ساءت حالته ولم يعرف الأطباء أن ابني مصاب بالثلاسيميا، ومجدداً تم منحه جرعة من الدم، وكنا نقضي 4 أيام في سبيل الحصول على نصف كيس من الدم، وبعدها قررنا السفر إلى العاصمة البريطانية لندن، وهناك أخبرنا الأطباء بأن محمد مصاب بمرض الثلاسيميا، وكان عمره وقتها خمسة أشهر.
حالة من الصدمة والحزن خيمت على أسرة الطفل محمد باكتشافهم إصابته بهذا المرض الذي لم يكن معروفاً في تلك الأثناء في دولة الإمارات بشكل كامل، وهنا بدأت خالدة وزوجها بالبحث عن المرض في سبيل تثقيف نفسيهما، تعلق خالدة: بعد البحث والاطلاع ومتابعة الأطباء، تعرفنا إلى المرض، والصدمة كانت قوية لأننا لا نعرف مضاعفاته وكيفية التعامل معه، ومررنا بأيام عصيبة، وكنا نواصل الليل بالنهار حتى نضع له الإبرة تحت الجلد، لمدة 12 ساعة، وهذه الإبرة تحتوي على دواء يوضع تحت الجلد ليقلل من نسبة الحديد الناتج عن نقل الدم. حيث كانت تزورني الممرضة لمدة أسبوعين لتعلمني طريقة وضع الإبرة في جسد ابني الصغير.
عندما عادت خالدة وزوجها من بريطانيا برفقة طفلها محمد، لم يفقدا الأمل، وتضيف: كان ابني محمد يتلقى العلاج في المستشفى، حيث كان هناك قسم خاص للعناية بمرضى الثلاسيميا، وتفرغت لرعاية طفلي، وقررت الاستقالة من عملي كمعلمة بعد خدمة تزيد على 14 سنة، وبدأت أهتم بالمرضى الذين يتلقون العلاج في المستشفى، وبعد أن رأى المسؤولون مدى اهتمامي بالمرضى، من تقديم الهدايا والتقرب منهم، إضافة إلى واجبي النفسي والاجتماعي في التخفيف عن معاناتهم، عرضوا علي العمل لديهم كاختصاصية اجتماعية، وبالفعل عملت في مركز الثلاسيميا الذي تم تأسيسه عام 1995، وعملت على تأسيس قسم الخدمة الاجتماعية، ومن خلال لقائي الأهالي فكرنا بضرورة وجود مكان نستقي منه المعلومات والدعم، لنعمل على نشر الوعي بين أفراد المجتمع لنقيهم الإصابة بهذا المرض، ومن هناك تم تأسيس جمعية الإمارات للثلاسيميا عام 1996.

 

عجز مالي وعطاء تطوعي

A67Y5518

 

أكد عبد الباسط أن الجمعية لا تتلقى أي دعم حكومي، وأن الدعم المادي مقتصر على المؤسسات والجهات الخاصة، ويقول: لدى جمعية الإمارات للثلاسيميا بصمة عالمية من خلال الخدمات الاجتماعية التي تقدمها، وعلى رغم الصعوبات المالية التي تواجهها،  حيث تعاني العجز في الميزانية، فإن لدينا القدرة على الاستمرارية.

 

 

 


شفاء محمد
في عام 2005 أجرى محمد عملية زارعة نخاع في إيطاليا، تقول خالدة: تمكن ابني من الشفاء بعد رحلة علاج طويلة صعبة، ونحن اليوم نكمل دورنا التطوعي في مجال خدمة المصابين والأهالي وتثقيف المجتمع بالمرض في محاولة للحد منه، لأننا وجدنا أن الثلاسيميا هي قضيتنا الأساسية التي عانيناها لسنوات، ولا بد من أن نستمر من أجل التقليل من أعداد المرضى، لأن معاناة المرض كبيرة، وتكاليف العلاج مرتفعة جداً، لذلك أصبح من ضمن أولوياتنا التقليل من أعداد المرضى المصابين، وأن تكون دولة الإمارات من أوائل الدول التي تقلل أعداد المصابين بالثلاسيميا، وفي نفس الوقت ننشر الوعي المجتمعي، ونحث الجمهور على الفحص الطبي قبل الزواج، والفحص المبكر، لأن دولة الإمارات ترتفع بها أعداد الحاملين للبصمة الوراثية للمرض.
أوائل الإمارات
جمعية الإمارات للثلاسيميا كانت تضم مجموعة كبيرة من الأعضاء في مجلس الإدارة، ولكن مع مرور السنوات تغير الأعضاء، ولم يتبق سوى خالدة خماس وزوجها عبد الباسط، تقول خالدة: بعد سنوات طويلة أصبح هناك بصمة للجمعية في دولة الإمارات والعالم أجمع، وأصبح هناك وعي وثقافة بين أفراد المجتمع بحقيقة المرض وفحصه وسبل الوقاية منه.
وتضيف: تحرص جمعية الإمارات للثلاسيميا على المشاركة في المؤتمرات العالمية داخل الدولة وخارجها، وعملنا على تنظيم المؤتمر العالمي للثلاسيميا في أبوظبي، كذلك نعمل على دعوة المرضى والأهالي لحضور المؤتمرات خارج الدولة».
وتشير خالدة إلى أن منحها هي وزوجها لقب «أوائل الإمارات» هو فخر لها، وتقول: أشكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي على منحه إيانا هذا اللقب الذي يحمل أجمل اسم وهو الإمارات وهذا اللقب هو فخر ووسام على صدورنا، وحصولنا عليه يزيد من مسؤوليتنا ولا بد من إكمال الطريق التطوعي. وكان سموه سبق أن كرم خالدة كموظفة متميزة في المجال الميداني، كذلك حصلت خالدة على تكريم من جائزة «سلطان بن خليفة» كشخصية متميزة من ناحية الدعم الاجتماعي.
الحمل الثاني
بعد أن أنجبت خالدة طفلها محمد المصاب بالثلاسيميا، كانت متخوفة من الإنجاب مرة أخرى، ولكنها علمت أن هناك فحصاً في المملكة المتحدة يجرى للجنين في مرحلة الحمل الأولى، وتقول: تشجعت لأكون أماً مرةً أخرى، وبالفعل سافرت وأجريت فحص الجنين، والحمد لله لم يكن مصاباً، ونفس الشيء بالحملين الثالث والرابع، وجميعهم حاملون للصفة الوراثية، وعلى رغم أنها مخاطرة فإن الأبناء هبة من رب العالمين، ولكن من الضروري الوقاية من خلال الفحص للتأكد من سلامة الجنين.
لقب «أم الثلاسيميا»
وعن حصولها على لقب «أم الثلاسيميا» توضح خالدة: منحني المرضى وأهاليهم هذا اللقب، لأني كنت أتعامل مع الأطفال المرضى كأولادي تماماً، وكنت أجرب الأجهزة على ابني، من بعدها أوفرها للمرضى للتأكد من سلامة الجهاز، ولم يكن ثمة فرق بين ابني والمرضى، وعملت على توفير الأجهزة الحديث لهم على مستوى العالم، وكنت أحاول الحصول على الرعاة من أجل تطوير المركز، فأصبحت قاعة الجمعية تشبه قاعات الفنادق، وبعد أن رأوا هذا الاهتمام منحوني هذا اللقب الغالي على قلبي كثيراً.
3 حالات
تذكر خالدة ثلاث حالات من المرضى تأثرت بهم، وتقول: تأثرت بإحدى الأمهات حين قالت لي: «أنا لم أخصص غرفة لابنتي في بيتي الجديد، لأني أعرف أنها سوف تموت». وللأسف الأهالي لم يكن لديهم المعلومات والثقافة الكافية عن المرض، والمشكلة تعود إلى الأطباء الذين يخبرون أهالي المرضى ما قرؤوه في الكتب، وهو أن مريض الثلاسيميا لا يعيش أكثر من 13 سنة، لكن من خلال تعايشي مع المرضى وما تشهده دولة الإمارات من توفير للخدمات والرعاية الصحية، أستطيع القول إن مريض الثلاسيميا يستطيع العيش حتى سن 50 سنة، وبمقارنة دولة الإمارات بالدول المتقدمة فإن مريض الثلاسيميا من الممكن معرفته بسهولة من خلال التشوهات الظاهرة على وجهه، أما المريض في الإمارات، فلا نستطيع تمييزه عن الأصحاء، لأن الخدمات التي تقدم بالمجان تعد الأفضل على مستوى العالم.
وتضيف: الحالة الثانية لأم تخشى موت ابنها المصاب في أي لحظة، ولكن القدر كتب لشقيقه المتعافي أن يموت حين أخذ سيارة والدته وقادها دون الحصول على رخصة قيادة، وهذا يدل على أن الأعمار بيد الله. أما الحالة الثالثة، فهي لأم أجرت الفحص لابنتها في إحدى العيادات الخارجية، وتبين لها أنها مصابة بالثلاسيميا، وكانت في حالة يرثى لها، ولكن بعد إعادة الفحوصات في مركز الثلاسيميا كانت النتيجة معاكسة وتبين لها أن ابنتها سليمة.

زواج الأقارب ليس معياراً

A67Y5506

 

توجه خالدة خماس نصيحة للأمهات وتقول: على رغم أن زواج الأقارب له صلة كبيرة بالمرض، وردتنا حالات لأزواج لم يكونوا على صلة قرابة ومن دول مختلفة وكان أولادهم مصابين بالمرض، ولكن الزوجين حاملان للصفة الوراثية، لذلك ننصح في كل برنامج توعوي أو تجمع بأهمية الفحص الطبي قبل الزواج، وحتى الأزواج الذين أنجبوا أطفالاً غير مصابين يمكن أن ينجبوا طفلاً مصاباً بالمرض. وتطالب خالدة بضرورة  بفحص خريجي الثانوية العامة، لمعرفة ما إذا كانوا سليمين أو حاملين للبصمة الوراثية، وبهذا نستطيع التقليل من هذا المرض.

 

 

 


عبدالباسط مرداس: ظننت أن الثلاسيميا فيروس أو مرض معدٍ
لدى عبدالباسط مرداس، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للثلاسيميا، شغف كبير بالعمل التطوعي، ومع إصابة طفله محمد بمرض الثلاسيميا، قرر التقاعد من وظيفته في القيادة العامة لشرطة دبي، والتوجه نحو العمل التطوعي، والمتمثل بتأسيس جمعية الإمارات للثلاسيميا.
يتحدث عن صدمته الأولى عندما اكتشف إصابة طفله البكر بالمرض، ويقول: كنت في السيارة وتلقيت اتصالاً من المستشفى يفيد بأن طفلي يحتاج إلى نقل دم، وتوقعت أن ابني يعاني نقص الدم ويحتاج إلى نقل سريع، وكنت أظن أنها مرحلة أولية، وبعد أشهر قليلة أخبرونا بضرورة نقل الدم مجدداً، وعندها قررنا السفر وتأكدنا أن طفلي مصاب بالمرض، لقد كانت صدمة كبيرة، ولم أكن أعرف شيئاً عن هذا المرض، وكنت أظن أنه فيروس أو مرض معدٍ، إلى أن شكلنا الفريق مع أولياء الأمور وبدأنا نتعرف إلى المرض.
ويضيف: بعد أكثر من 15 سنة عانى خلالها طفلي محمد المرض، كتب الله له الشفاء التام بعد إجراء عملية زراعة نخاع، وأعتبر أن شفاء محمد يعود إلى دعاء المرضى وأهاليهم لنا، ونحن مستمرون في العمل التطوعي، وخاصة بعد أن كرمنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ضمن «أوائل الإمارات»، لكوننا أول من أسس جمعية لمرضى الثلاسيميا في الدولة، وهي الجمعية الوحيدة والأولى على مستوى العالم. فكل الشكر لسموه على تقديره لجهودنا وتشجيعنا على الاستمرار في الخدمة المجتمعية.
وعن طبيعة عملة في الجمعية، يقول: أشغل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة في الجمعية، وأحرص على المشاركة في جميع الأعمال، وأحرص على أن أكون موجوداً في الإدارة بصورة دائمة، لأكون بالقرب من المرضى وكل إنسان محتاج، كما أحرص على المشاركة في المحاضرات والحملات التوعوية، وأنا متفرغ بنسبة 99% للجمعية وأنشطتها.
السر في التطوع
بعد ما يزيد على 20 سنة في العمل التطوعي، يتحدث عبد الباسط عن سر تعلقه بهذا المجال المجتمعي والإنساني، ويقول: بعد سنوات عمل طويلة في شرطة دبي، قررت التقاعد لأسخر حياتي في العمل المجتمعي، فأصبح العمل التطوعي جزءاً مني ونحن مستمرون في ذلك برغم قلة الدعم، لذلك نناشد المجتمع الإماراتي بضرورة الانخراط في العمل التطوعي، لأنه يعتبر ديناً علينا كمواطنين ويجب أن نوفيه لحكومتنا الرشيدة ولدولتنا الكريمة التي لم تقصر معنا قط.وعن رؤيته لأولياء أمور المرضى، يقول عبد الباسط: نرى من بعض أولياء الأمور التقصير وعدم الاهتمام بأبنائهم المصابين، وفي المقابل بعض العائلات تفرغت بالكامل لخدمة أبنائها، ونحن هنا نقدم لهم النصيحة بضرورة الاهتمام بهم.
1500 مريض
توفر جمعية الإمارات للثلاسيميا خدماتها للمرضى من المواطنين والوافدين، وعملت على خدمة أكثر من 1500 مريض، وعن الخدمات التي تقدمها الجمعية للأهالي، يقول عبد الباسط: نعمل على تقديم خدمات متنوعة لأولياء أمور المرضى، منها خدمات اجتماعية ومعنوية ومادية، ومن أبرزها أننا نقدم لمرضى الثلاسيميا الرسوم الدراسية، ونساعد المقبلين على الزواج بالحفلات وما شابه ذلك، ونقدم لهم الأدوية والأجهزة الطبية، كما نقدم المعونات لبعض المحتاجين منهم، فبعضهم يحتاجون إلى دعم معنوي، ومنهم من يئسوا من المرض، وهنا يأتي دورنا عن طريق نقلهم من مرحلة اليأس إلى حب الحياة، عبر مجموعة من المختصين في المجال النفسي والاجتماعي.
ويوجه عبد الباسط نصيحة للناس ويقول: نحن نتبع أسلوب «افحص تسلم»، ويجب على جميع المقبلين على الزواج إجراء الفحص، وكذلك نطلب من كل طالب ينهي دراسته الجامعية عمل فحص للتأكد مما إذا كان حاملاً للصفة الوراثية للمرض.

http://goo.gl/IJ8Zpf