قضايا نفسية في سن البلوغ لذوي متلازمة داون
تصلنا بين فترة وأخرى تساؤلات واستشارات -رغم أننا غير مختصين -حول تغيرات سلوكية ظهرت على طفل من أطفال متلازمة داون، وأكثرها لمن تقع أعمارهم ما بين العاشرة والعشرين عامًا والتي هي مرحلة المراهقة. هذه التغيرات السلوكية وإن كانت متشابهة مثل أعراض الرفض والانعزال ومشاكل النوم إلا أن أسبابها قد تكون مختلفة. وليس معنى أن أحدهم لديه مثلًا مشكلة اكتئاب أو قلق فإن أسبابها عند الجميع يجب أن تكون واحدة كذلك. هناك على سبيل المثال أمراض عضوية وليست نفسية ممكن أن تكون لها نفس الأعراض. لذلك من المهم التأكد أنها غير موجودة لأن علاجها “دوائي” مثل علاج نقص هرمون الغدة الدرقية، أو “غذائي” مثل مرض السيلياك، أو “جراحي” مثل ضيق مجرى التنفس بسبب تضخم اللوز أو اللحمية في الأنف والتي تسبب مشاكلًا في النوم وانقطاعًا في التنفس. ولكن ورغم أن هذه الأمراض العضوية معروفة ويجب الكشف عنها طبيًا لكل من تظهر عليه أعراض نفسية من ذوي متلازمة داون، إلا أن أغلب هذه الأعراض تحدث بسبب اضطرابات نفسية تحتاج لمختص لعلاجها.
قصة خالد
خالد يبلغ من العمر 16 عامًا وهو من ذوي متلازمة داون ولديه تأخر عقلي من الدرجة المتوسطة كما هو الحال لمعظم أفراد متلازمة داون. تم نقله إلى قسم الطوارئ في حالة توتر وهيجان، وقد قام بالاعتداء على أخته في المنزل خلال نقاش معه للخروج معهم في نزهة خارج المدينة. في غرفة الطوارئ، هدأ خالد وكانت تصرفاته عادية وسلوكه مقبولًا ومناسبًا. في البداية لم يكن خالد قادرًا على أن يشرح سبب هيجانه المفاجئ، لكن الطبيب استطاع أن يتفهم موقف خالد في كونه كان قلقًا بسبب ركوب السيارة لوقت طويل. ورغم أن خالد لم يستطع أن يعبر عن مشاعره إلا أن الطبيب استطاع أن يحصل على وصف الأعراض التي ظهرت عليه من خلال النقاش مع أخته، فقد كان لديه رعشة في يديه وعرقه يتصبب، وذكر خالد أن لديه خفقانًا. لم يكن لدى خالد أية أعراض اكتئاب أو حزن سابقة أو أي تغيّر في المزاج. وهنا ذكرت الأم أن حالات الهيجان والتوتر بدأت تظهر على ابنها خالد بعد أن سمع أن خاله الذي كان يحبه قد توفي في حادث سيارة. وأصبح من يومها يتفادى أي نشاط مرتبط بركوب السيارة. شخّص الطبيب حالة خالد بحالة “قلق عام” وتم علاجه بجلسات نفسية مع استخدام أدوية مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية.
قصة سالم
سالم في الثالثة عشر من عمره وهو من ذوي متلازمة داون، ولديه تأخر عقلي. سالم يدرس في إحدى مدارس الدمج الحكومية. معروف في حارته أنه اجتماعي ومخالط للجميع ولديه شخصية مرحة. يعيش مع إخوته ومع والديه اللذان هما في الستينات من أعمارهما. لاحظ عليه الجميع أن مهاراته وقدراته ونشاطاته بدأت تقل تدريجيًا خلال الشهرين الماضيين. كما أن ذاكرته التي كانت جيدة جدًا قد انخفضت وأصبح ينسى كثيرًا لدرجة أن عليهم تذكيره بأنشطته التي يقوم بها بشكل معتاد. أصبح أهله يجدون صعوبة في إقناعه بالذهاب للمدرسة وحتى الخروج وزيارة الأقارب والاحتكاك مع الاخرين رغم أنه كأن سابقًا يصر على القيام بها. عند عرضه على الطبيب لاحظ أن لديه أيضًا مشاكل في النوم فهو يتأخر في النوم أو يقوم مبكرًا على غير عادته لكن لم يكن هناك مشاكل خلال النوم ولا يوجد شخير أو انقطاع في التنفس، كما لم يكن هناك أية أعراض تشكّك في وظائف الغدة الدرقية أو مشاكل في الجهاز الهضمي مثل الإمساك أو الإسهال أو حموضة المعدة. عرف الطبيب أن هناك بعض التغيرات في مدرسة سالم فقد تم نقل أحد المدرسين من المدرسة كما أن خالة سالم الصغيرة توفيت منذ ستة أشهر بسبب سرطان الدم. كانت ملامح وجه سالم توحي بالحزن ويبكي بسهولة. شك الطبيب في أن لدى سالم حالة اكتئاب. وتم تحويله للطبيب النفسي للأطفال والمراهقين وفي النهاية تم تشخيص حالته أنها حالة “اكتئاب” وتم عمل جلسات نفسية وبدأ علاج الاكتئاب الدوائي.
قصة سارة
سارة تبلغ من العمر 18 عامًا من ذوي متلازمة داون ولديها سمنة ومصابة بمرض السكري من النوع الأول وتعالج بالأنسولين. يحدث لها حالات تشنج عند انخفاض السكر ناتج عن مرض السكري والأنسولين. سارة تعمل في إحدى المدارس الأهلية كمتطوعة بأعمال بسيطة وكان الجميع معجب بها وعلاقتها بهم جيدة. من يعرفها يلاحظ أنها سعيدة وليس لديها أية أعراض اكتئاب أو قلق وكانت تصرفاتها عادية حتى لو حدث تغيير في روتين حياتها المعتاد. لاحظ عليها الجميع وبشكل تدريجي وخلال السنتين الماضيتين أن ألفاظها أصبحت أكثر عدوانية عندما يتم تغيير روتين عملها أو الأمور التي تقوم بها بشكل معتاد. فمثلا إذا تم إعادة ترتيب غرفتها فإنها تقوم مباشرة بإعادتها لما كانت عليه في السابق قبل أن تعمل أي شيء آخر. لوحظ عليها أيضًا بعض التصرفات المتكررة مثل إطالتها لتفريشها لأسنانها لمدة 15 دقيقة وأيضًا قيامها بجمع علاقات الملابس بشكل متكرر عندما ترتدي ملابسها مما يؤدي إلى تأخرها في الخروج بسبب هذا التكرار. كما أنها أصبحت مهاجمة جسديًا لكل من يحاول أن يغير روتين حياتها أو يغير هذه السلوكيات. وهذه الأمور لم تكن ناتجة عن أي تغيّر في ظروف المنزل أو المدرسة التي تعمل فيها كما لم يظهر عليها أعراض حزن واضحة رغم ظهور أنها متضايقة من هذه السلوكيات التي تعملها لكنها مستمرة فيها. لاحظ عليها الآخرون أيضًا وجود بطء في التفكير والقدرات الذهنية لديها مع ضعف في الذاكرة قصيرة المدى. وقد أصبحت هذه السلوكيات واضحة وشديدة لدرجة أنها بدأت تهدد العاملين في المدرسة مما أدى إلى تركها العمل واستقرارها في المنزل. بعد عرضها على طبيب نفسي مختص اتضح أن هذه الأعراض هي أعراض “الوسواس القهري” وتم عمل جلسات نفسية مع العلاج الدوائي فتحسنت أحوالها.
مقدمة
هل تعلم أن على الأقل 50% من أفراد متلازمة داون قد يعانون من مشاكل في الصحة النفسية خلال مراحل حياتهم. وللمعلومية فإن المشاكل النفسية حتى عند الناس العاديين ليست قليلة الحدوث ولكن القليل من الناس فقط من يقوم بالذهاب للمختصين ومتابعة العلاج. إن من يمر بمشاكل صحية عضوية في حياته تزيد أيضًا لديه احتمالية حدوث المشاكل النفسية. وتشمل مشاكل الصحة النفسية الأكثر شيوعًا ما يعرف بالقلق العام والسلوكيات المتكررة مثل الوسواس القهري وسلوكيات المعارضة (oppositional) والتسرع (impulsive) وسلوكيات عدم التركيز والتفريط ومشاكل النوم والاكتئاب وطيف التوحد وبنسبة أقل تدهور القدرات الذهنية بشكل بطيء. ما هي أهم المهيجات السلوكية؟ كل ذوي الإعاقة العقلية لديهم استعداد أكبر من غيرهم للتأثر بالمهيجات النفسية، ولذلك فالأطفال والبالغين من أفراد متلازمة داون غالبًا ما يكونون أكثر حساسة للضغوطات النفسية والاجتماعية والبيئية كغيرهم. فالمرض أو فقدان أحد أفراد أسرتهم أو أحبابهم هو مدمر للغاية بالنسبة لهم والغالب أنه يؤدي إلى رد فعل كالإحساس بالفقد والحزن المعقد، ولو حدثت هذه الأمور لطفل أو بالغ من أفراد متلازمة داون فسوف تسبب تراجعًا في قدرته على التفكير والتحليل، والتذكر، ومعالجة المعلومات، والتعلم. كما تؤدي هذه المهيجات إلى حالة من القلق العام، وأعراض الوسواس القهري، والاكتئاب وصعوبات النوم. كما قد يرافقها فقدان للوزن، وضعف الرعاية الشخصية لنفسه، وعدم الحماس للذهاب إلى المدرسة أو العمل. وإذا لم يتم التدخل واستمرت الأعراض لمدة طويلة فإنها ستسبب انخفاضًا في القدرات الاجتماعية والعقلية، لذلك عند ظهور أي من الأعراض السلوكية يجب البحث عن هذه المهيجات التي قد تكون هي التي حفزت ظهور السلوك الجديد على الطفل.
ما هي الأمراض العضوية التي قد تظهر على شكل تغيّر في السلوك؟
هذا هو السؤال الأكثر شيوعًا والذي يجب على الأطباء والمختصين بأفراد متلازمة داون وكذلك الأهالي الاهتمام به. ولذلك من المهم أن يتم إجراء فحوصات طبية إضافة إلى التقييم النفسي ولا يتعارض كون الشكوك نفسية أن يتم القيام بهذه الفحوصات. وإليك قائمة بأهم المشاكل الصحية التي يجب عمل فحص لها وقد تكون أكثر شيوعًا بين أفراد متلازمة داون مقارنة بالآخرين:
1/ مشاكل الغدة الدرقية: فالغدة الدرقية موجودة في منتصف العنق من الأمام وانخفاض أو ارتفاع الهرمون الذي تفرزه يسبب تغيرات عضوية وأيضًا سلوكية للشخص، فانخفاضها يسبب الخمول والنوم الكثير والسمنة وجفاف الجلد، وارتفاعها يسبب الهيجان والعصبية وفرط الحركة والنحافة والاحساس بالحر ومشاكل في النوم. يتم فحص مستوى هرمون الغدة الدرقية بعينة بسيطة من الدم وتظهر نتائجه خلال أقل من يومين. وفي حال انخفاضها وهذا هو الأكثر شيوعًا لدى أفراد متلازمة داون فإنها تعالج بإعطاء الهرمون عن طريق الفم.
2/ مشاكل النوم: مشاكل النوم تظهر في معظم الاضطرابات النفسية حتى ولو لم يكن هناك سبب عضوي. لكن من المهم التأكد أن السلوكيات التي تظهر على الشخص ليست ناتجة عن مشاكل خلال النوم مثل انقطاع النفس بسبب ضيق مجرى التنفس والشخير الشديد. وهذه أعراض عضوية قد تسبب تغير سلوكي في اليوم الذي يليه فيكون الطفل قلقًا بسبب عدم حصوله على كمية كافية من النوم أو قد يكون متوترًا ويصاب بالهيجان أو بالعكس يكون خاملًا وكثير النعاس وغير مكترث أو مهتم بالأنشطة من حوله. يمكنك أن تراقب طفلك خلال نومه، هل يظهر عليه أي شيء أم أن نومه هادئ؟ عند شكك عليك مراجعة طبيب مختص باضطرابات النوم أو طبيب تنفس أو طبيب أنف وأذن وحنجرة.
3/ الإمساك: وكذلك مشاكل الجهاز الهضمي مثل حموضة المعدة والتي قد لا يشتكي منها الطفل مباشرة فعلى الأهل مراقبة الطفل خاصة بعد الأكل ومتى يذهب لدورة المياه ويتم سؤاله هل لديه صعوبات أم لا.
4/ مرض السيلياك: وهو ناتج عن حساسية عند أكل أي طعام فيه قمح. وأفراد متلازمة داون أكثر عرضة من غيرهم لحدوث تحسس من القمح ولذلك يتم عمل فحص بالدم لقياس الأجسام المضادة لمشتقات القمح. أعراض التحسس متفاوتة فقط تظهر على شكل مشاكل في الجهاز الهضمي مثل الإسهال المتكرر أو الإمساك وضعف في الشهية وفقدان للوزن وقد تظهر أيضًا أعراض سلوكية. يعالج هذا المرض عن طريقة حمية خاصة خالية من مشتقات القمح بالكامل. 5/ ضعف السمع أو البصر: ضعف السمع أو البصر قد يعزل الشخص عن المحيط به وقد تظهر أعراضه بعدم الاستجابة للأوامر أو عدم التركيز أو المتابعة أو الفهم. ومن المعروف أن فحص السمع والبصر يجب أن يجرى كل سنتين لكل فرد من أفراد متلازمة داون بعد سن الخامسة من العمر. من المهم الكشف عن هذه الأمور العضوية حتى ولو كان السبب نفسي بحت. لأنه قد تتصادف ويكون لدى الطفل مشكلتين في آن واحد وقد لا يستجيب للعلاج النفسي بشكل كامل لو كان مثلا هناك مشكلة في الغدة الدرقية وكان هناك مرض اكتئاب والطبيب يعالجه بدواء الاكتئاب فقط.
ماهي أنواع المشاكل النفسية والسلوكية التي قد تظهر؟
تتفاوت أعراض الاضطرابات النفسية لذوي متلازمة داون حسب العمر وأيضًا حسب القدرات والمهارات التي لدى الطفل وبالتحديد قدراته في الكلام والتواصل والتخاطب. ولذلك يمكن تصنيفهم إلى ثلاثة أصناف:
الأطفال ومن هم في أول الشباب ولديهم صعوبات في الكلام أكثر عرضه إلى:
– تشتت الانتباه مع فرط الحركة وقد يكون أيضًا لديهم سلوكيات المعارضة والعناد وقد تكون مجتمعة أو متفرقة. ومن أعراضها عدم التركيز وفرط الحركة التخريبية والتهور والمعارضة والعناد.
– القلق العام أو الوسواس القهري، ومن أعراضهما القلق والتوتر والانفعال لأتفه الأسباب. وقد يكون معهما عدم المرونة وعمل أمور بشكل متكرر فتشعر كأن الشخص متوقف ويجتر الأعمال أو الأقوال بشكل مستمر.
– التوحد وطيف التوحد واضطرابات ما يعرف بالنمو المتفشي. وأعراضها ضعف في التواصل الاجتماعي مع الآخرين وكأنه في عالم منفصل وانغماس وتقوقع حول الذات مع سلوكيات نمطية متكررة فهو يكرر نفس الطقوس كل مرة ويتضايق عندما يتدخل أحد فيها أو يغيرها.
– اضطرابات النوم وانقطاع التنفس خلال النوم، وأعراضها صعوبات مزمنة في النوم والنعاس أثناء النهار، والتعب والخمول، وتقلب في المزاج.
الأطفال ومن هم في سن الشباب وليس لديهم صعوبات في الكلام وقدراتهم العقلية أفضل أكثر عرضه إلى:
– الاكتئاب، الانعزال الاجتماعي، وعدم الاهتمام مع ضعف مهارات التأقلم.
-القلق العام.
– الوسواس القهري.
– تدهور وفقدان المهارات العقلية والاجتماعية.
– اضطرابات النوم وانقطاع التنفس خلال النوم: وأعراضها صعوبات مزمنة في النوم والنعاس أثناء النهار، والتعب والخمول، وتقلب في المزاج.
الشباب والبالغين بشكل عام أكثر عرضة إلى:
– القلق العام
– الاكتئاب، والانعزال الاجتماعي، وعدم الاهتمام، وتدهور في عنايتهم الشخصية الذاتية.
– تدهور وفقدان المهارات العقلية والاجتماعية.
– الخرف.
قد تحدث هذه التغيرات في كثير من الأحيان بسبب وجود محرّض أو محفّز لها في البيئة التي يعيش فيها الشخص مثل المرض، فقدان الشخص أو خسارة شخص أو شيء ما.
كيف تحصل على المساعدة لتقييم وعلاج هذه المشاكل؟
تعيش الكثير من الأسر في مناطق قد لا يتوفر فيها مختصين نفسيين لديهم مهارات عالية في رعاية ذوي متلازمة داون. وقد لا يتوفر حتى طبيب مختص بمتلازمة داون. وهذه أكثر الأمور صعوبة. ولذلك من المهم أن تقوم الأسر منذ صغر الطفل في التعامل مع طبيب أطفال عام واحد يكون مرجعًا لها في المشاكل الصحية وقد تتعاون الأسرة مع الطبيب في تكوين علاقة تشجع الطبيب على التعلم واكتساب الخبرة برعايته لهذا الطفل وأيضًا يستفيد الأهل في تسهيل التحويل والتوجيه إلى مراكز أخرى عبر الطبيب المعالج. الامر الآخر المهم هو محاولة الاهتمام ببناء مهارات الطفل منذ الصغر والحرص على التوازن الاجتماعي واندماج الطفل منذ صغره مع من حوله، لأن بعض المشاكل التي نراها مع تقدم العمر وفي سن المراهقة مصدرها خلل في سن الطفولة قد يكون له دور تراكمي في تأزم القضية مع وجود استعداد وراثي بسبب متلازمة داون. ابدأ أولًا بالبحث عن طبيب نفسي مختص بالأطفال وإن أمكن طبيب نفسي للأطفال مهتم بالمشاكل الإنمائية والنمو. وإذا لم تجد فاتجه إلى الطبيب النفسي ولعله يوجهك إلى طبيب نفسي مختص بالأطفال للقيام بالتقييم والعلاج. وإن لم تجد مختصًا بالأطفال فقد يكفي الطبيب النفسي إذا كان لديه إلمام بمتلازمة داون والمشاكل النفسية المصاحبة لها. وعلاج هذه المشاكل سواء كانت قلقًا عامًا أو وسواسًا قهريًا أو اكتئابًا هو مشابه للعلاج لمن ليس لديهم متلازمة داون وإن كان الوضع أصعب في التعامل نتيجة لمحدودية القدرات العقلية والتي تتطلب من الأهل اكتساب مهارات وطرق فنية في التعامل لكي تنجح في مساعدة ذلك الطفل أو الشاب أو الفتاة. إذا لم يتوفر مختص أو طبيب نفسي أو وجد الأهل صعوبة في الوصول إليهم فما عليهم إلا أن يثقفوا أنفسهم حول بعض المشاكل التي سوف نذكرها وكيفية التعامل معها، وتدريجيًا قد ينجحون في ذلك، أو على الأقل يقومون بالتصرف الصحيح في التعامل مع حالة الطفل من دون أن يسيئوا له ويزيدوا حالته تعقيدًا بتعاملهم الخاطئ.
أعراض الاضطرابات النفسية الأكثر شيوعًا لدى أفراد متلازمة داون:
القلق العام
بعض الناس لديه قلق وخوف من المرتفعات أو من الحيوانات أو من شيء معين. ولكن أحيانًا يكون هناك قلق وتخوفات مصدرها غير معروف أو محدد. هذا ما يقصد به القلق العام. والقلق العام هو أكثر اضطرابات النفسية انتشارا بين أفراد متلازمة داون وتظهر على شكل قلق مزمن مع زيادة في القلق والتوتر والأرق في النوم عند ظروف معينة مثل الانتقال من مكان إلى آخر أو تغيير المدرسة أو تغيير أوقات الطعام أو النوم أو عند حدوث أي أمر طارئ غير مألوف.
الوسواس القهري
عدم الهدوء والراحة لدى الطفل أو الشاب من ذوي متلازمة دون قد تجعل تصرفاته ثابتة جدًا، كأنه “عالق” في وضعية معينة يكررها بشكل متواصل ويقوم بها في كل أعماله الروتينية التي يألفها ويكررها ويرفض أن يغيرها. كما أنهم أيضًا يدخلون في طقوس سلوكية متكررة إجبارية وقهرية لديهم كأنها شعائر وأمور يجب ألا تتغير. يميل الطفل أو الشاب في ظل هذه الظروف في كثير من الأحيان إلى أن يكون غير سعيد وحزين بشكل مبكٍ وقد يكون هناك خليط من أعراض القلق العام التي ذكرناها سابقًا مع سلوكيات وسواسية متكررة. ويمكن التفريق بين الوسواس القهري وبين من لديهم اضطراب بسبب المعارضة والعناد وتشتت الانتباه في كون الأولى يكون فيها حزن بينما الثانية لا يكون هناك حزن أو تغير في المزاج بل إنهم سعداء ومتحمسون ويقومون بحركات مرحة وقد تكون ساذجة. إن الوسواس القهري من المشاكل الصعبة على الآباء والأمهات والإخوة في التعامل معها والتي قد تؤدي إلى تركهم للطفل أو الشاب أو الفتاة وعدم الاهتمام به نتيجة لتعبهم في التعامل معه مما يزيد المشكلة تعقيدًا ويدخل الشخص في حلقة مفرغة وكأنه عالق في وضع نفسي سلوكي معين إلى مالا نهاية. وهذا يتطلب تدخل طبيب نفسي لوضع الحلول وبدء العلاج السلوكي والدوائي لتجاوز المشكلة.
الاكتئاب
أهم أعراض الاكتئاب هو الانعزال الاجتماعي الشديد والحزن (ولكن ليس متقلب بل ثابت) مع عدم القدرة على الاستمتاع بالعديد من الأنشطة التي كانوا يحبونها سابقًا. يذكر الآباء وأيضًا الطبيب المتابع لهم سابقًا أن الطفل أو الشاب أو الفتاة لم يكن هكذا من قبل. ومع أنهم أيضًا يكون لديهم اضطراب في النوم إلا أن هذا لا يفيد في التفريق بين الاكتئاب وحالات القلق. والاكتئاب لدى أفراد متلازمة داون في كثير من الأحيان يرتبط بمهيجات أو محفزات في البيئة من حوله. فقد تكون مثلًا بسبب مرض يتكرر له بين فترة وأخرى أو الألم أو ضغط نفسي أو اجتماعي ممن حوله، على سبيل المثال، انتقال أحد أفراد الاسرة إلى مدينة أخرى أو سفره أو حدوث مرض مفاجئ أو مزمن في أحد أفراد الأسرة، أو وفاة أحد الأشخاص العزيزين عليه أو فقدان حيوان أليف كان يلعب معه أو غياب المعلم بسبب انتقاله أو مرضه. كل هذه الأحداث العادية لنا تبدو غير عادية للأطفال والبالغين من ذوي متلازمة داون مع الأثر النفسي غير المتناسب مع الحدث بالمقارنة مع الشخص العادي في ظروف مماثلة. فلذلك أفراد متلازمة داون حساسون لأي تغير في بيئتهم ولذلك من المهم عند حدوث أمر ما أو توقع تغير معين أن يتم تحضير الطفل أو الشاب لهذا الأمر. إن العلاج الدوائي للاكتئاب قد لا يكفي بدون التدخل السلوكي والعلاج الفكري وتسهيل العقبات التي يمر بها الشاب أو الفتاة من ذوي متلازمة داون.
تأليف: عبد الرحمن فايز السويد
استشاري الوراثة الإكلينيكية وطب الأطفال مدينة الملك عبد العزيز الطبية بالحرس الوطني الرياض -29يونيو 2015
مراجعة لغوية و املائية . المهندسة بلسم زبيدي ( أم نور)
مواضيع ذات صلة:
استراتيجيات للتصدي للمشاكل السلوكية لأطفال متلازمة داون الخوف السلوك العدواني العناد ما هو تشتت الانتباه واضطراب فرط الحركة ADHD؟ ضعف الانتباه النشاط الحركي الزائد انفوجرافيك متلازمة داون وتشتت الانتباه وفرط الحركة ADHD :: رسائل سلوكية واجتماعية :: معالجة سلوك البصق