أثناء الصدمة: الضغوط النفسية عند أسر أطفال متلازمة داون
مقتبس من مقال التأثير النفسي والاجتماعي لأسر أطفال متلازمة داون
إعداد: أ. صلاح حلمي عبدالعزيز – أخصائي التربية الخاصة
الجمعية البحرينية لمتلازمة داون
تُعد الأسرة أول وأهم مؤسسة للتنشئة الاجتماعية كونها تستلم الطفل من مرحلة من المرونة والقابلية للتشكيل حيث يبقى ملتصقا بها معظم فترات نموه وتطوره. فما إن يرزق الوالدان بالابن إلا ويرتبطا به ارتباطا قويا ويحبانه حبا جما ويحاولان جاهدَين أن يبعداه عن كل أذى أو خطر.
ولكن شاءت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يأتي الأبناء متفاوتين من حيث الصحة والسلامة البدنية والعقلية، ونظراً لضعف الإنسان وارتباطه بأبنائه ووضعه الأمل الكبير عليهم في المستقبل، نجده يتألم ويحزن ويأسى عندما يرزق بطفل معوَّق حيث تتحطم الآمال والأحلام والتوقعات من ذلك الابن، فلا أحد يريد أو يتوقع أن يكون طفله معوقا.
وليس ذلك فحسب وإنما لا نرضى أن يكون أطفالنا مجرد أطفال عاديين كغيرهم من الأطفال. فلا غرابة أن تكون إعاقة الابن صفعة عنيفة لكيان الوالدين تنسف آمالهما وتشكل مأساةً مروعةً لهما، فإذا كانت تربية الأطفال مهمة صعبة وشاقة فتربية الطفل المعوق أكثر صعوبة ومشقة، وبالتالي نتوقع تعرض الوالدين لردود فعل عضوية وعقلية وانفعالية سيئة، فضلا عن تعرضهم للمشكلات المادية والأسرية والزواجية.
فلقد أوضحت الدراسات أن إعاقة الطفل تؤدي إلى ارتفاع معدلات الطلاق، وتشير بعض الدراسات إلى أن الإعاقة تعمل أحيانا على توطيد العلاقة بين الزوجين ذلك أنهما دون دعم متبادل لن يستطيعا التعامل مع الصعوبات والضغوطات التي تنجم عن إعاقة الابن.
ويرجع ذلك أساسا إلى أمرين:
يتمثل أولهما في أن مصيبة ولي الأمر وابتلاءه أتى في أعز ما يملك وهو الابن.
أما الثاني فيتمثل في أن الطفل المعاق له حاجاته الخاصة، ومن ثم فإن رعايته تتطلب جهدا كبيرا ينوء بكاهل أولياء الأمور فضلا عن استمرارية ذلك طوال حياة الطفل وهذا يعرضهم للارتباك وعدم الاتزان العضوي والنفسي ومن ثم يقعون فريسة للضغط النفسي.
ومن المسلم به أن تَعَرُّضَ الفرد لأزمة ما تؤدي إلى شعوره بعدم الاتزال، حيث يصعب عليه مواجهة متطلبات الموقف الذي يؤثر عليه. وحيث إن مصدر الأزمة هنا يُعَدُّ من النوع الشديد والقاسي (الابن المعوق) مما يتسبب في ردود فعل نفسية مختلفة لدى الوالدين قد تحدّ من قدرتهما على تربية الطفل المعوق والعناية به. ويجب التأكيد على أن هذه الانفعالات ليست مرضية بل هي طبيعية ما دامت ضمن حدود معينة.
وسوف نستعرض ردود الفعل النفسية هذه ولكن في البداية سنعرِّف مصطلح الضغط النفسي لدى أولياء الأمور:
-وهو يشير إلى التأثير السيء الذي يُحدثه وجود طفل معوق – وما يتسم به من خصائص سلبية – لدى الوالدين مما يثير لديهم ردود فعل عقلية أو انفعالية أو عضوية غير مرغوبة تُعرضهم للتوتر والضيق والقلق والحزن والأسى. كما قد يعانون من بعض الأعراض النفسية والجسمية (النفس جسمية).
والآن نأتي على ذكر ردود الفعل النفسية المختلفة التي يمر بها الوالدان عند معرفتهما بأمر إعاقة ابنهما. وعلى الرغم من أن ردود الفعل هذه تختلف من أسرة إلى أخرى إلا أن أغلبية الأسر تمر بمراحل انفعالية متشابهه. ويجب التأكيد هنا على أن ردود الفعل النفسية هذه لا تتعارض مع الإيمان بقضاء الله ولا تتنافى معه. وهي:-
الصدمة:
وهي أول رد فعل نفسي يحدث لهما، أي أن الوالدين لا يستطيعان تصديق حقيقة أن الطفل غير عادي. وهما في هذه المرحلة في حاجة إلى الدعم والتفهم، فإدراك حقيقة الإعاقة يبعث على خيبة الأمل والحزن.
النكران:
وهو أيضا من ردود الفعل النفسية الأولى التي قد تحدث للوالدين وتشير إلى عدم الاعتراف بأن الطفل يعاني من الإعاقة، وهي وسيلة دفاعية لاشعورية يلجأ إليها الوالدان في محاولة للتخفيف من القلق النفسي الشديد الذي تحدثه الإعاقة.
الحداد والحزن:
وهي فترة حداد وعزاء يعيشها الوالدان على الحلم الجميل الذي لم يتحقق (الطفل العادي)، خاصة عندما يدرك الوالدان أن طفلهما يعاني من إعاقة مزمنة ستلازمه طوال حياته.
الخجل والخوف:
وذلك بسبب إعاقة الطفل، نظراً للاتجاهات السلبية للمجتمع نحو الإعاقة والمعوقين وتجنبهم التفاعل مع الأشخاص المعوقين، فالوالدان قد يشعران بالخجل الناتج عن تفكيرهما بما سيقوله الآخرون عنهما وعن طفلهما. وهذا يدفعهما إلى تجنب الآخرين وعزل الطفل المعوق تخوفاً من نظرات الآخرين وعبارات الشفقة التي قد تصدر عنهم.
اليأس والاكتئاب:
وهنا غالبا ما يمر الوالدان بمرحلة من اليأس والاكتئاب لإحساسهما بالتعب وعدم القدرة على التحمل وفقدان الأمل والثقة بالأطباء (الشفاء) وينطويان على ذاتهما ويمتنعان عن مخالطة الناس، فالإعاقة تغير مجرى حياة الأسرة وتخلق واقعا جديداً لم يخطر لهما على بال.
الغضب والشعور بالذنب:
وهي أيضا من ردود الفعل التي قد تظهر لدى الوالدين وهي متوقعة، فهي محصلة طبيعية لخيبة الأمل والإحباط وغالبا ما يكون الغضب تعبيرا عن الشعور بالذنب أو الندم على شيء فعلاه أو لم يفعلاه.
الرفض أو الحماية الزائدة:
ويؤثر الرفض من قبل الوالدين للابن المعوق سلبا على مفهوم الذات والدافعية لدى الطفل، وكثيرا ما يتحول الرفض إلى حماية زائدة ومغالاة في العناية به ورعايته مما يولّد لدى الطفل الاعتمادية، وكلا الأسلوبين (الرفض – الحماية) يحدُّ من استقلالية الطفل المعوق وكذلك يحدُّ من نموه وتصبح نتائجه النفسية أشد أذىً على المدى البعيد من الإعاقة نفسها بالنسبة للطفل ولوالديه أيضا.
التكيف والتقبل:
وبعد كل المعاناة السابقة لا يجد الوالدان مفراً من تقبل الأمر الواقع والاعتراف بإعاقة طفلهما. أما التكيف فيتمثل في القدرة على التحمل وتفهم الحاجات الخاصة للطفل. وبالطبع يحدث ذلك تدريجيا بعد أن يكون الوالدان قد تخلصا من الشعور بالذنب والمسؤولية عن الإعاقة، وهذا لا يعني عدم الشعور بالألم أو انتهاء الأحزان.
الصور اجتهاد شخصي مضاف للموضوع
المقال مقتبس من المصدر
الجمعية البحرينية لمتلازمة داون