التأثير النفسي والاجتماعي لأسر أطفال متلازمة داون
إعداد: أ. صلاح حلمي عبدالعزيز – أخصائي التربية الخاصة
الجمعية البحرينية لمتلازمة داون
التغيرات التي تطرأ على أسرة الطفل المعاق
عندما تُرزق الأسرة بطفل معاق ويتم التأكد من ذلك بالتشخيص الطبي، فإن سلسلة من التغيرات الهامة، والتي يمكن التنبؤ بها، تحدث داخل الأسرة. وأهم هذه التغيرات هي:-
1. يصبح الأبوان مطالبين ببذل المزيد من الجهد الإضافي في التأكد من توفير الرعاية بأشكالها المختلفة لهذا الطفل. ولنا أن نتخيل إلى أي مدى يتطلب الأمر جهداً شاقاً غير مألوف لهما.
2. عندما يعرف الأشقاء أن أخاهم معاق يصبحون مطالبين بأن يضعوا ذلك في اعتبارهم عند تعاملهم معه ومع باقي أفراد الأسرة، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يعني أعباءً جديدة تقع على كاهلهم.
3. كذلك يحدث التغير داخل الأسرة عندما يجد الوالدان أن آخرين من خارج الأسرة (معلمين – اختصاصيين – أطباء) يتدخلون ويشاركون في اتخاذ القرارات الهامة التي تخص الأسرة بالدرجة الأولى. ليس هذا فحسب، بل أيضا تبدأ الأسرة تتلقى معلومات وتوجيهات بشأن طفلهم، وهذا لا يحدث في الغالب مع الطفل غير المعاق.
4. أما التغير الأهم فيحدث في المشاعر، حيث نجد في كثير من الأسر أنها قد وُصِمَت stigmatized كنتيجة لتشخيص أحد أفرادها بأنه معاق أو يعاني من بعض أوجه العجز. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل أيضا نتيجة لحاجة الطفل المعاق للرعاية المكثفة نجد أن الوالدين يضطرون إلى البقاء في المنزل لفترات أطول مما يؤدي إلى عزلتهم وبالتالي شعورهم بالوحدة.
5. وتغير آخر غاية في الأهمية يتمثل في شعور الوالدين بأنهم على وشك أن يفقدوا سيطرتهم على حياتهم الخاصة وأن هذه السيطرة قد انتقلت إلى الأطباء والاختصاصيين والمرشدين وغيرهم.
6. وهكذا تواجه الأسرة مجموعة من التغيرات المختلفة والتي لم تخطر لها على بال، وتعمل هذه التغيرات على تغير شامل في خطة الأسرة للمستقبل، وهذا ليس بالأمر الهين.
إعادة تنظيم الأسرة
ومما سبق يتضح لنا حاجة الأسرة إلى إعادة تنظيم الحياة اليومية لها، وكذلك بناء الأسرة ذاتها للتكيف مع الوضع الجديد. وتتطلب عملية التكيف مع الطفل المعاق درجة عالية من المرونة من جانب كل أفراد الأسرة، فالحدود التي كانت واضحة التحديد يعاد التفاوض بشأنها، كما أن الأدوار الوظيفية لأفراد الأسرة تتغير، فالوالدان اللذان كانا يعملان معا خارج المنزل واعتادا أنماطا معينة تخص عملية إدارة المنزل من أمور مختلفة نجدهما يواجهان مشكلة في عمل جداول جديدة تتضمن أن يُفَرِّغ أحدهما نفسه لبعض الوقت لرعاية الطفل المعاق صحيا على سبيل المثال.
كما أن إعادة تنظيم الأسرة بكفاءة وعلى نحو فعّال فيما يتعلق بتلبية احتياجات الطفل المعاق يقتضي أيضا تغيرات في كل مرحلة نمائية بما يناسبها (التدريب على الإخراج في البداية – مشكلات مرحلة المراهقة والتغيرات البيولوجية فيما بعد).
وتواجه الأسرة المشكلات إذا ما تجمدت هذه التغيرات عبر المراحل النمائية المختلفة، فمثلا إذا استمر الوالدان في تركيز جهودهما على الطفل المعاق بنفس الدرجة كما حدث عندما تم التشخيص لأول مرة فإنهما بذلك يعوقان عملية استقلاله. وكذلك عندما يستمر الوالدان في توقع أن الإخوة غير المعاقين سيعاملون أخاهم المعاق معاملة خاصة فإن الإخوة قد يستاؤون ويسخطون على هذه التوقعات وينتهي الأمر بالأخ المعاق إلى الشعور بالعزلة وتتأكد لديه الحاجة إلى المهارات الأساسية. وكذلك إذا ما استمر الآخرون (الاختصاصيين والمعلمين والأطباء) في التعمق في الحياة اليومية للأسرة فإن أفرادها سوف يبدؤون في الشعور بأنهم أقحموا أنفسهم في حياة الأسرة وجعلوها عرضة للقيل والقال.
احتياجات أولياء الأمور لمواجهة الموقف
(وجود طفل معاق)
إن أولياء الأمور يحتاجون إلى الكثير من الخدمات كي يمكنهم التعامل مع أطفالهم المعاقين بفاعلية وتخفيض الجهد المبذول لرعايتهم في نفس الوقت. وقد أوضحت النتائج تعدد احتياجات أولياء الأمور، فكل إنسان يواجه محنة لابد وأن يتعرض لعدم الاتزان ومن ثم يحتاج إلى من يساعده على تخطي أزمته واستعادة اتزانه، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بوجود ابن معاق يحتاج إلى رعاية مستمرة وجهد شاق لفترات زمنية طويلة. وتتفاوت هذه الاحتياجات من حيث أهميتها لأولياء الأمور. وفي البداية نعرِّف ما المقصود باحتياجات أولياء أمور المعاقين:-
يشير المصطلح إلى تلك المطالب الأساسية اللازمة لمساعدة أولياء الأمور على مواجهة متطلبات رعايتهم مع تخفيف الجهد والعناء اللازم لذلك ومحاولة الحفاظ على التوازن العضوي والنفسي لهم.
1. وتحتل الاحتياجات المادية المرتبة الأعلى. وهو أمر منطقي إذا أخذنا في الاعتبار أنها لا تقتصر على الأمور المالية بل تمتد لتشمل الخدمات الطبية والترويحية والمواصلات، وذلك نظراً لاحتياج الطفل المستمر إلى الرعاية الطبية وعدم توافر أماكن الترفيه والترويح الخاص بالمعاقين، مما يجعل أولياء الأمور يضعونها في المقدمة.
2. وتأتي الاحتياجات المعرفية في مرتبة ثانية لأن وجود الإعاقة يجعل الطفل مختلفا عن أقرانه، وبالتالي تصبح لديهم حاجة ملحة للتعرف على خصائص هذا الطفل وطبيعة نموه وحاجاته الخاصة وكيفية التعامل معه، ولا يتأتى ذلك إلا بتوافر المعلومات المناسبة من خلال الكتيبات المبسطة والبرامج المسموعة والمرئية والإرشاد.
3. وتأتي في المرتبة الثالثة الاحتياجات المجتمعية حيث تشمل الخدمات المختلفة التي يوفرها المجتمع للأطفال المعاقين.
4. ومن خلفها الاحتياجات الاجتماعية، ويقصد بها التكافل الاجتماعي ووجود الأهل والأصدقاء بما يقدمونه من دعم للوالدين. لقد تأكدت أهمية الدعم الاجتماعي في تخفيف الضغط النفسي الواقع على كاهل أسر الأطفال المعاقين حيث إن وصول الوالدين إلى حالة من الاتزان الانفعالي والتكامل الأسري تتأثر إيجابيا بشبكة الدعم الاجتماعي غير الرسمية للأسرة. وذلك لأن أحد المهام الصعبة التي تواجه الآباء الجدد لأطفال معاقين هي إخبار أفراد الأسرة الآخرين والأصدقاء بمشكلة ابنهم لأول مرة. وفي بعض الحالات يخاف الوالدان من إثارة الحزن في نفوس الأقارب والأصدقاء مما قد يؤدي إلى حدوث شرخ في العلاقة الأسرية مع الأصدقاء القدامى وأفراد الأسرة.
وفي حالات أخرى لو كان الأصدقاء والأسرة يقدمون الدعم الاجتماعي اللازم للوالدين فإنهما ما زالا في حاجة إلى نوع من الدعم الذي يمكن أن تقدمه أسر أخرى لديها أطفال معاقين كطفلهم. ومن هنا نتطرق إلى أهمية مجموعات الدعم والتي تظهر عندما لا يجد الوالدان الدعم الذي يحتاجونه من الأصدقاء والأسرة لأن اتجاهاتهم سلبية فلا يجد الوالدان مفراً من البحث عن الدعم في مكان آخر وتصبح مقابلة الآباء الآخرين ممن لديهم أطفال معاقين هامة جدا وذلك لأن مجموعات الدعم يمكن لها تقديم عدد من الوظائف الهامة وهي:-
تخفيف الوحدة والعزلة.
تقديم المعلومات.
تقديم أساس للمقارنة.
ويعلق أحد الآباء عن أهمية مجموعات الدعم قائلا: إن الجانب العلمي أسهل شيء، فيمكن أن يخبرك الأطباء عن كل شيء، ولكن الصعب هو ما تفعله كل يوم وكيف تربي طفلك ولا أحد يمكن له أن يخبرك إلا في مثل اجتماعات مجموعات الدعم. وتختلف احتياجات أولياء الأمور هذه تبعا لعدة أمور، منها:
سن الوالدين: فأولياء الأمور الصغار تزداد احتياجاتهم المعرفية التي تساعدهم في التعامل مع أطفالهم بفاعلية، وكذلك المتخصصين الذين يقدمون الإرشاد اللازم، فضلا عن وجود الأسر الممتدة بما تضمه من أجداد لديهم خبرة كبيرة في تربية الأطفال.
المستوى التعليمي لأولياء الأمور: فقد أوضحت الدراسات أن احتياجات المتعلمين المعرفية أكبر من احتياجات غيرهم الأقل تعليما.
تتأثر احتياجات أولياء الأمور كذلك بنوع الإعاقة وخصائص الطفل المعاق وعمره الزمني.
كذلك أوضحت الدراسات أن احتياجات أولياء الأمور تتزايد بصورة عامة بارتفاع مستوى الضغط النفسي لديهم. فكلما زادت حدة الضغوط النفسية لدى ولي الأمر زادت حاجته إلى التدخلات الخارجية لمواجهتها ومحاولة التخلص منها.
المشكلات التي تواجه أسرة من لديهم متلازمة داون
1. الحاجة للرعاية الطبية المستمرة:
إن الرعاية الطبية المطلوبة للأطفال المعاقين تكون أكثر تخصصية. وزيارة المراكز الصحية المتكررة تكون أيضا أكثر منها لدى الآخرين. وإضافة إلى ذلك فإن هؤلاء الأطفال غالبا ما يحتاجون إلى خدمات طبية محددة مثل العلاج الطبيعي والمهني وعلاج النطق. وهنا نتوقع أن تواجه الأسرة المشكلات كنقص الأطباء المتخصصين أو الاختصاصيين الذين يقدمون الخدمات التي تتطلبها مواجهة الإعاقة.
2. الحاجات التربوية الخاصة:
إذا أمكننا النظر إلى أن مسألة الخدمات الطبية يمكن أن تقل أهميتها بتقدم عمر الطفل، ففي المقابل نجد أن البحث عن برامج تربوية مناسبة لعمر الذهاب للمدرسة يصبح هو الأكثر أهمية في معظم الأحيان. وهنا تواجه الأسرة مرحلتين: الأولى ما قبل المدرسة والحاجة للتدخل المبكر، والثانية مرحلة مستوى المدرسة. ونجد هنا أن عملية تعليم الأطفال المعاقين كانت غامضة في البداية ولم تتأكد حقوقهم المدنية إلا حديثا، وأصبح الوعي العام يتزايد ولايزال الوالدان يواجهان المشكلات المختلفة الناتجة عن رغبتهما في تحقيق مستوى أفضل لتعليم أبنائهم المعاقين. (سلبيات الدمج)
3. المشكلات السلوكية:
وهنا نجد أنه بالرغم من أن الاهتمام بالحاجات الجسمية للطفل يميل إلى التناقص مع تقدم عمر الطفل، في المقابل يتزايد القلق على سلوك الطفل مع الآخرين غبر الوقت. وهنا تظهر الحاجة لتطويع أو تطبيع سلوك الطفل للبيئة المحيطة، وبالتالي يواجه الوالدان المشكلات من جديد والتي تظهر في بعض المواقف الاجتماعية وينتج عنها ضغوط نفسية شديدة عليهما، ومنها:
المناسبات الاجتماعية الرسمية،حيث لا ينسجم الطفل مع الأطفال الآخرين. (الفشل في مجاراتهم)
الدعوات في بيوت الآخرين، حيث يكون توجيه سلوك الطفل صعب.
الأماكن العامة حيث يكون التحكم في سلوك الطفل مشكلة.
الأماكن المقيدة التي لا تسمح للطفل بالحركة ولا للوالدين بالانسحاب من الموقف (زيارة المراكز الصحية أو مقابلة الاختصاصيين)
المواقف الاجتماعية حيث يدخل الطفل في أشكال منحرفة من السلوك عند التفاعل مع الآخرين.
وهنا يشعر الوالدان بالضغط خاصةً عندما يسترعي سلوك الطفل انتباه الآخرين ومحاولتهم لتفسير سلوكه للأصدقاء والغرباء. وقد أظهرت الدراسات أن التكيف الأسري يكون أكثر ارتباطا بالكفاية المتحققة للدعم غير الرسمي من ارتباطه بحدة الإعاقة عند الطفل، وأن الأسرة التي لا تتلقى الدعم تعاني من انعزال اجتماعي كبير نتيجة لسلوك الطفل المعاق.
4. العبء المادي:
نجد أن الإعاقة تؤثر اقتصاديا على الأسرة بالإضافة إلى الأعباء النفسية والاجتماعية، وهذا التأثير يتضمن كلاً من التكاليف المباشرة مثل النفقات على رعاية الطفل الطبية والتجهيزات الخاصة والتكاليف غير المباشرة مثل ضياع وقت العمل (للتفرغ لرعاية الطفل ولو لبعض الوقت).
5. الحاجة المستمرة للدعم الاجتماعي:
إن الحاجة للدعم الاجتماعي يمكن أن تكون مستمرة بين الأسر التي تكون فرصة اشتراكها في المجتمع العادي محدودة. وقد وُجد أن السبب الأكثر احتمالا لأن يجذب الانتباه للطفل المعاق هو الكلام وليس المظهر أو السلوك، وعليه نجد أن درجة الضغط الواقع على الوالدين مرتبط إلى حد كبير بجودة كلام الطفل. ولذلك نجد بعض الأسر تعمل على تجنب المواقف الاجتماعية التي تتطلب أن يتحدث أبناؤهم. وهنا تأتي المشكلة وتكون الحاجة المستمرة للدعم الاجتماعي هي المخرج للأسرة.
— الصور مضافة للموضوع وليست جزءا منه —
بتصرف من المصدر
الجمعية البحرينية لمتلازمة داون