ما الذي نرجوه من العلاج الطبيعي؟
على العكس مما يعتقد الكثير من الناس فإن دور العلاج الطبيعي ليس تسريع اكتساب المهارات ولكن في الحقيقة هو تفادي وتقليل حركات وأوضاع الجسم غير الطبيعية والتي قد تظهر على المدى الطويل وهذا أمر مهم للغاية.
على المدى الطويل قد لا يكون هناك فوارق ذات أهمية في أن يمشي الطفل على عمر سنتين أو سنتين وثلاثة أشهر. هذه الثلاثة أشهر قد لا يكون لها أهمية وظيفية للطفل لذلك من الشائع أن ترى أن الاطباء ليسوا متحمسين للغاية للعلاج الطبيعي كحل لعلاج تأخر الجلوس أو المشي.
ترجع أسباب تأخر اكتساب المهارات الحركية لأطفال متلازمة داون لعدة أمور بما فيها الحالة الصحية ومشاكل القلب المصاحبة وتكرار مشاكل التنفس كالالتهابات المتكررة. ولكن هناك أمور إضافية مثل ارتخاء العضلات العام ومرونة الأربطة والمفاصل والقصر إلى حد ما في طول الأرجل والذي له دور أيضًا في تأخر اكتساب المهارات الحركية الكبرى.
إن ارتخاء العضلات وقصر الأطراف يشجعون الطفل على اكتساب اوضاع للجسم غير طبيعية لكي يتجاوز هذه الصعوبات. من هذه الأوضاع هو تباعد الأرجل عند المشي وتوجيه القدم إلى الخارج مع المشي على حافة القدم الداخلي مع إرجاع الركبة وهي ناتجة عن ارتخاء العضلات والأربطة ويقوم بها الطفل لكي يحافظ على توازنه وثبات قدميه ويكون ثقل وزنه على حافة القدم الداخلية والطبيعي أن تكون على حافة القدم الخارجية. هذا النمط من المشي على المدى الطويل يضر بالمفاصل والعظام خاصة الركبة والقدم وتظهر الآلام وتقل القدرة على التحمل.
كذلك الحال مع وضعية الجذع فارتخاء العضلات والأربطة وضعف عضلات الظهر تحفز الطفل على تحدب الظهر الذي يظهر عند الجلوس. فمن الشائع عند جلوس طفل متلازمة داون أن يتقوس ظهره ويرجع الحوض إلى الخلف والرأس يميل إلى الخلف ليتكئ على الأكتاف. لذلك هم لا يعرفون كيف يجعلون الحوض بشكل عمودي ومن فوقه الظهر والرقبة باستقامة واحدة. وهذا الوضع غير الطبيعي لو استمر في النهاية يؤثر على التنفس والقدرة على دوران الجذع.
يجب أن يبدأ العلاج الطبيعي بالتدريب وتعليم الطفل بالأوضاع الصحيحة عند الجلوس كأن يكون الجذع مستقيمًا وليس مقوسًا وذلك بتقديم الدعم حتى قبل أن يجلس الطفل بدون مساعدة. وكذلك تدريب الطفل وتعليمه طريقة الوقوف الصحيحة وكيف يحافظ على ضم القدمين وجعلها على مستوى الحوض أو إلى الداخل بعض الشيء وكذلك مشط القدم والأصابع باتجاه الأمام مع ثني الركبتين بعض الشيء.
يقوم أخصائي العلاج الطبيعي بوضع يديه ويحيط بها على عدة مستويات من جذع الطفل ابتداءً من أعلى الظهر إلى الأسفل وصولاً إلى الحوض. فيقوم بإحاطة يديه على أعلى الجذع ثم وسط الجذع ثم مابين أسفل عظمة اللوح في الظهر ووسط الظهر ثم ينزل إلى أسفل الظهر إلى أن يصل إلى الحوض. فهذا الدعم المساند على عدة مستويات من الجذع يحافظ على استقامة الظهر والحوض بشكل عمودي فيكتسب الوضع الصحيح للظهر إلى أن يكبر الطفل وتقوى عضلاته.
إن عملية تنمية مهارات أطفال متلازمة داون ليست فقط حركية ولكن كون المهارات الحركية هي من المهارات التي يحرص عليها الأهالي وهي من أوائل المهارات التي يكتسبها الطفل فإنها قد تكون فرصة للأهالي لكي يتعلموا أن هناك اختلافًا في طريقة اكتساب هؤلاء الأطفال للمهارات التنموية مقارنة بأقرانهم، فهناك بعض النقاط الخاصة والمهمة التي يجب التنبه لها في عملية التأهيل والتدريب والتعليم.
تقول الأخصائية باتريشيا وندرس: “من واقع خبرتي في العلاج الطبيعي لأطفال متلازمة داون خلال واحد وعشرون عامًا وجدت أن هؤلاء الأطفال يتعلمون ويكتسبون المهارات بشكل مختلف عن أقرانهم وأنه من الضروري تعديل الخطط خلال الأيام إذا كنتم ترغبون في الحصول على أفضل النتائج”.
وذكرت الأخصائية مجموعة من النصائح ووضعتها على شكل نقاط لعلها تكون مفيدة للجميع:
1. قدرات أطفال متلازمة داون على تعميم ما يكتسبونه منخفضة. وهذا يعني أن المهارة التي يكتسبونها لأمر ما وفي ظروف أو مكان ما لا يمكن بالضرورة أن يستفيدوا منها في ظروف مختلفة. على سبيل المثال، قد يكون الطفل متمكن تمامًا من صعود الدرج في المنزل، ولكن عندما يواجه الدرج في مكان آخر، فإنه يستعمل طرق الصعود البدائية إلى أن يتعلم الصعود بالشكل الصحيح في هذا المكان الجديد.
2. يحتاج أطفال متلازمة داون لاكتساب المهارات على شكل تدريبات صغيرة. وعندما تلاحظ أنه توقف عن الاستجابة لتدريباتك فسوف تجد أن جرعة التدريبات كبيرة وعليك أن تجزئها لكي يتمكن من إتقانها واستيعابها.
3. الظروف والمكان يحتاج إلى أن يكون أقرب إلى الكمال قدر الإمكان. أطفال متلازمة داون يحتاجون إلى محيط وبيئة مألوفة وثابتة إذا كنت تأمل في الحصول على أفضل أداء. فلا تحاول إدخال تدريبات جديدة أو صعبة عندما يكون الطفل متعبًا، أو جائعًا أو ليس في أفضل حالاته لسبب ما، فنوعية النتائج التي ترجوها أهم بكثير من الكمية. حاول التقليل من المشتتات للذهن في المحيط الذي تقوم فيه بالتدريب.
4. اجعل الطفل هو من يقود عملية التدريب. عززه وحفزه عند طلبك منه القيام بمهارة معينه لأن محاولة فرض إرادتك على طفل متلازمة داون هي عملية خاسرة. فأنا كثيرًا ما أحاول أن استعمل طريقة وأسلوب الأبوين قبل استعمال أسلوبي. فهي مألوفة للطفل، وعلى الأرجح ستكون ناجحة.
5. كن منتبهًا لردود أفعال الطفل عند تعلم مهارات حركية جديدة. فبعض الأطفال يصنفون على أنهم حذرون وآخرين مخاطرين. الطفل الحذر في العادة يبقى في موقف واحد ولا يبدله بسرعة، في حين يفضل الطفل المخاطر الاندفاع والحركة بشكل سريع عند تنفيذ التمرين. على سبيل المثال، عندما يتعلم طفل متلازمة داون المشي، فإن الطفل الحذر يريد الكثير من الدعم والتشجيع وسوف يبكي ويتضايق بشدة لو وقع على الأرض خلال المحاولة. بينما الطفل المخاطر فإنه قد يمشي مباشرة لأن التمرين ينطوي على الحركة والحركة هي من مميزاته ولذلك قد لا يهتم كثيرًا للدعم والتشجيع ولا حتى لعدد مرات السقوط.
6. اعرف متى تتوقف. بعض الأطفال قد يكرر معك التمرين مرتين ثم يصر على الانتقال إلى غيره والبعض الآخر قد يكون مسرورًا وقد يكرره أكثر من عشر مرات. ضع خطتك للعبة كي يتسنى للطفل النجاح وتجنب الإحباط.
7. اجعل تخطيطك تخطيطًا استراتيجيًا خلال جلسة التدريب. ابدأ بما يجيده الطفل أو بما هو مستعد لتعلمه. عالج ودرب الطفل على المهارات الأكثر صعوبة أولًا قبل أن يتعب الطفل مع الحرص على التبديل خلال التمارين بين التدريبات الصعبة والأخرى السهلة لكي تعطي الطفل الوقت الكافي لكي يشحن طاقته وقوته.
8. اتخذ خطوات استراتيجية في دعمك للطفل. أطفال متلازمة داون ميالون إلى الاعتماد على المساعدة الخارجية بشكل مستمر. فلذلك قم بتقديم أقل مقدار من الدعم بمقدار ما يكفيهم لكي يستمروا وقلل أو توقف عن مساعدتك لهم عندما ينجحوا في أداء مهمة ما في أسرع وقت.
9. ينفذ الطفل التدريب أو المهارة بشكل غير دقيق في البداية ومع الوقت يتحسن أداؤه. على سبيل المثال، يتعلم الأطفال في البداية على المشي بقدمين متباعدتين والأقدام متجهة للخارج. مع كون هذه الطريقة في المشي غير مثالية لكن لا بد من السماح بها مع الاستمرار في صقلها وتعديلها.
10. لا تتدخل في مهارة حققها الطفل سابقًا حتى ولو لم تكن بالشكل الذي ترجوه. لن تنجح في إدخال التغيير وسوف يراك الطفل شخصًا مزعجًا له. وبدلًا من ذلك ركز على إحداث التغيير في الخطوة التالية من النمو الحركي. على سبيل المثال، بعض الأطفال، بدلًا من أن يتعلم الزحف على ركبتيه، فإنه يزحف على ركبة واحدة وقدم واحدة. وقد اكتسب واتقن هذا النمط من الحركة، ولو حاولت أن تعلمه بدلًا عنها أن يزحف على ركبتيه معًا فإنك سوف تنجح فقط في إغضابه ومضايقته ولن تنجح في تغيير هذه المهارة. لذلك قم بدلًا من ذلك في تدريب الطفل على كيفية صعود الدرج على ركبتيه بدلًا من التدخل في النمط السابق.
11. يتعلم أطفال متلازمة داون بخطوات متدرجة هي:
1/ إدخال مهارة جديدة: عند تقديم مهارة جديدة أدخلها بشكل بطيء وبعناية فالهدف ببساطة هو أن يتقبل الطفل الحركة الجديدة.
2/ التعود على المهارة: في هذه المرحلة يعتاد الطفل على المهارة ويستشعرها جسديًا وكأن لسان حال الطفل يقول لقد فهمت الحركة واستوعبت المطلوب منه.
3/ التعاون: فالطفل يزيد من تعاونه ومشاركته وفي نفس الوقت يقلل مساعدتك له لإتقان المهارة.
4/ الاستقلالية: حيث يتقن الطفل المهارة ويؤديها بشكل مستقل دون أي دعم.
مقتبس من كتاب كيف أنمي مهارات طفلي وهو من اصدارات موقع الوراثة الطبية،
الكتاب كاملا موجود هنا:
https://www.werathah.com/down/publications/ds_development_book/