النمو الاجتماعي لأفراد متلازمة داون
“التفاهم الاجتماعي والصداقات والعلاقات”
موقع الوراثة الطبية
موقع الوراثة الطبية
المرحلة الأولى: سنوات الطفولة المبكرة والتعليم قبل المدرسي
تظهر الخطوات الأولى في التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الأولى من الحياة، حيث يبدأ الأطفال بالتواصل بالعين والتبسم عندما يُحملون أو عندما يوجه إليهم الكلام. ويبدأون تعلم أهمية التعابير الوجهية، ونغمة الصوت، والحركات الجسدية وكيفية تأثر هذه الأفعال بشعور الشخص. ويظهر الأطفال ذوي متلازمة داون قليلًا من التأخر في الاستجابة لمقدمي الرعاية. ويشاركون في ألعاب الدردشة ويبتسمون وهم متجاوبون اجتماعيًا، ويظهرون مهارات المحادثة، حيث لديهم القدرة على الاستماع عند تحدث مقدم الرعاية ثم يستجيبون بالثرثرة أو الغرغرة عند توقفه عن الكلام في الأعمار المعتادة. ويفهمون أن الاتصال بالعين يشير إلى أنهم يحظون بانتباه شخص بالغ أو طفل، وقد جمع الكاتب مقاطع فيدو مذهلة تظهر التفاهم الاجتماعي لطفلة تبلغ من العمر عشرة أشهر لديها متلازمة داون، والتي بدورها تحاول جذب اهتمام طفلة آخرى تبلغ ثلاث سنوات تتواجد معها في نفس غرفة اللعب. حيث تهمهم محاولةً التواصل لتحصل على انتباه الطفلة الكبرى، وحين تنظر الطفلة الكبرى إليها تتغير الهمهمة إلى مناغاة تشير إلى السعادة. وعندما تشيح الطفلة الكبرى بنظرها بعيدًا وتكمل اللعب، تكرر الطفلة سلوكها وتهمهم مجددًا حتى تحصل على انتباهها ثم تناغي بسعادة. ويظهر السلوك الاجتماعي للطفلة بوضوح الرغبة في التواصل مع الطفلة الكبرى ويشير أيضًا إلى فهمها ما يعنيه التواصل بالعين، ويمكن مشاهدة هذا المثال في مقطع فيديو منشور.
موقع الوراثة الطبية
تقترح بعض الدراسات أن الرضع ذوي متلازمة داون لا يزالون مهتمين بالألعاب الاجتماعية مع شريك وجهًا-لوجه لوقت أطول من الوقت النموذجي. وقد يرجع ذلك جزئيًا إلى التأخر في تطور المهارات الحركية وأيضَا إلى التأخر في مهارات الانتباه، كما سنوضح لاحقًا.
موقع الوراثة الطبية
تأخر القدرة على الاستكشاف
يطور الأطفال ذوي النمو النموذجي في عمر الثمانية أشهر مهاراتهم الحركية العامة والدقيقة، حيث يتحركون على الأرض من خلال التدحرج أو الزحف، وتتزايد قدرتهم على اللعب بالدمى وتفحص بيئتهم المادية. وتتطور المهارات الحركية عند الأطفال ذوي متلازمة داون ببطء، ويتأخرون في تطوير المهارات الحركية الدقيقة التي تمكنهم من التعامل مع الدمى، والمهارات الحركية العامة التي تمكنهم من دخول الخزانة وتسلق الكراسي واستكشاف العالم المادي، ويبقى ترفيههم الأساسي في عمر 8-12 شهر هو التفاعل واللعب مع مقدمي الرعاية.
موقع الوراثة الطبية
تطوير الانتباه المشترك
يتمكن الأطفال الطبيعيون في عمر السنة تقريبًا من تتبع خط البصر لشخص آخر أو الاتجاه المعبر عنه بإيماءة، حيث يمكنهم النظر لشيء ما أو نشاط معين بينما يعيرون انتباههم لما يقوله شريكهم حول هذا الحدث. هذه القدرة تسمى المرجعية المشتركة وهي الانتباه المشترك لشريكين على هدف أو نشاط، وهي ضرورية لتعلم اللغة، لأنها تمنح الفرصة للطفل لتعلم معاني الكلمات، حيث يسمي الشخص البالغ الشيء أو يتحدث عما يجري أثناء نظرهما للشيء أو الحدث نفسه. يحتاج الأطفال الذين يعانون من متلازمة داون وقتًا أطول للوصول إلى هذه المرحلة.
ويساهم هذا في تأخير تعلم الكلمات ويعني أيضًا أن الطفل سيرغب في لعب الألعاب وجهًا لوجه لوقت أطول. تشير الأبحاث في حقيقة الأمر أن الأطفال ذوي متلازمة داون يواصلون التفاعل بشكل ملقن مع مقدمي الرعاية بدلًا من الاستكشاف أو اللعب بالدمى لعدة سنوات. مع ذلك، فإن أغلب الأطفال ذوي متلازمة داون يطورون الانتباه المشترك ومهارات الإشارة خلال سنتهم الثانية، وكلما بادر الأطفال ذوي متلازمة داون وتجاوبوا مع حلقات الانتباه المشترك، يزداد تطور لغتهم التعبيرية، لذلك فمن الضرورة تشجيع هذا السلوك.
يجب متابعة تقدم الأطفال والرضع ذوي متلازمة داون، لزيادة حلقات الانتباه المشترك وبالأخص لتشجيعهم على المبادرة بهذه الحلقات من الانتباه المشترك. وذلك ليشير الطفل أو يعلق على شيء أو نشاط ينظر إليه أو منشغل به، مما يساعد الطفل على التعامل مع متطلبات الانتباه للموقف وزيادة قدرة الطفل على ربط تعليقات الشخص البالغ بتجاربهم الذاتية. تُخلق الفرص لإشراك الأطفال في حلقات الانتباه المشترك خلال اليوم، عند مشاركته في نشاطات مثل غسل اليدين والأكل والتسوق والمشي وأثناء اللعب.
موقع الوراثة الطبية
زيادة فترات الانتباه والنشاطات المشتركة
من المهم تشجيع الأطفال على الاستمتاع بالأنشطة المشتركة مثل مطالعة الكتب وممارسة الألعاب الجماعية، مما يساعدهم على زيادة فترة الانتباه وعلى التعلم والإصغاء ومشاركة شخص آخر واتباع التعليمات. يقود ذلك إلى قابلية خوض مواقف التعلم وإعداد الطفل للجلوس والاستماع وأدوار الحديث مع الآخرين في مجموعة اللعب أو في غرفة الفصل. يعاني الأطفال ذوي متلازمة داون من قلة فترات الانتباه والقابلية لتشتت الانتباه ويجدون صعوبة في الجلوس بلا حراك لعدة دقائق. وقد يكون هذا مرتبطًا إلى حد كبير بمستوى نموهم ويبدو أنه يتحسن بمرور الوقت، ومع ذلك فإن الدراسات تقترح أن ربع الأطفال ذوي متلازمة داون يعانون من قصور الانتباه والتشتت في سنوات ما قبل التعليم المدرسي والمدرسة الابتدائية وتنخفض النسبة إلى 16% في سنوات المراهقة. لذلك من المهم تطوير مهارات الانتباه والتعلم في سنوات الرضاعة وما قبل التعليم المدرسي.
يعتمد الانتباه على المهمة بمدى رغبة الطفل في أدائها، ولذلك أحيانًا يمكن الخلط بين الانتباه والتحفيز، حيث يمكن وصف طفل بالتشتت وقلة الانتباه عند مشاركته في مهمة تعليمية، ولكن نفس الطفل قد يركز بسعادة عند سماعه لقصته المفضلة أو عند مشاهدة مقطع فيديو. والرسالة هنا أن التعليم يحتاج أن يكون ممتع، ويمكن أن يكون العديد من المواقف التعليمية أكثر متعة إذا أخذ الطفل والمعلم أدوارًا في المهمة، حيث يمكن للطفل أن يرى نموذج النجاح، أو أن يكون التعليم من خلال مجموعة لعب مع أطفال آخرين. وللبدء بزيادة انتباه الطفل، اختر مهمة يتمتع بها الطفل وابدأ بزيادة الوقت تدريجيًا. وفي المهمات التي لا يتشوق الطفل للمشاركة فيها، أوجد وسائلاً لجعلها ممتعة وكافئ الطفل على الزيادات البسيطة في الوقت الذي يقضيه في هذه المهمات بالسماح له باختيار نشاط آخر يفضله.
موقع الوراثة الطبية
دور اللغة
يتأثر النمو الاجتماعي للأطفال ذوي متلازمة داون بسبب تأخر تعلم الكلام الذي عادةً ما يمرون به. يبدأ الأطفال ذوو النمو الطبيعي في السنة الثانية بتطوير مهارات اللغة المنطوقة، ويمتلك العديد من الأطفال في عمر 18 شهرًا ما لا يقل عن 50 مفردة، ويمكنهم استخدام مفردتين أو ثلاثة للكلمة في عمر السنتين. ومن الواضح أن استخدام الكلمات في التواصل يعزز كثيرًا من قدرة الطفل على إدارة المواقف الاجتماعية، لطلب ما يريدونه ولشرح ما يشعرون به. يسمح النمو السريع لفهم اللغة عند الأطفال للوالدين بتفسير التصرفات وأسبابها للأطفال، وعلى الرغم من تأخر تطور اللغة المنطوقة عند الأطفال ذوي متلازمة داون، إلا أنهم يفهمون أكثر مما يستطيعون التعبير عنه. تساعد الإشارات الأطفال في الفهم وفي التعبير عن أنفسهم قبل أن يجيدوا الكلام، وتعد مهارة التواصل الغير منطوق مكمن قوة عند أغلب الأطفال ذوي متلازمة داون، وتساعدهم هذه المهارة في تطوير مهارات التعبير اللغوي.
تقترح الأبحاث المتتابعة على مدى طويل أن القدرة على المبادرة والاستجابة للألعاب الاجتماعية في السنوات المبكرة ترتبط بالتقدم في اللغة التعبيرية والكفاءة الاجتماعية للأطفال ذوي متلازمة داون في الفترة العمرية ما بين 10-13 سنة. يتمتع الأطفال الذين يبادرون بالألعاب الاجتماعية مع البالغين في سنوات ما قبل التعليم المدرسي بتطور أفضل للغة المنطوقة ويبادرون بالتواصل الاجتماعي أفضل من أقرانهم (من ذوي الإعاقة والأصحاء) لسنوات لاحقة. ومع أهمية ميل الأطفال ذوي متلازمة داون للمبادرة في الألعاب الاجتماعية في تنمية مهارات اللغة والتواصل الاجتماعي، حيث أنها تزيد من التجارب والتفاعل والتبادل الاجتماعي، فإنها قد لا تكون مفيدة في التعليم الرسمي والمواقف التعليمية عندما يكونوا قد اعتادوا على تجنب تعلم مهارات جديدة. ولذلك فعلى الأهل والمعلمين إدراك التأثيرات الإيجابية والسلبية للتفاعل الاجتماعي للأطفال ذوي متلازمة داون. يجب تشجيع التفاعل الاجتماعي الذي يبادر به الطفل والاستجابة له في أغلب المواقف، ولكن في المواقف التعليمية يجب تشجيع الطفل على الانتباه على المهمة المطلوبة وعلى الوالدين والمعلمين عدم مكافأة اللهو الاجتماعي.
موقع الوراثة الطبية
التعلم من خلال المشاهدة والتقليد
يستمر الأطفال الذين يعانون من متلازمة داون بإبداء فهم جيد للإشارات الغير منطوقة في المواقف الاجتماعية ويظهرون أيضًا قدرة جيدة على تعلم كيفية التصرف في المواقف الاجتماعية التي تتكرر، حيث يمكنهم القيام بما هو متوقع من خلال تقليد الأطفال الآخرين. على سبيل المثال، الأطفال ذوي متلازمة داون يؤدون جيدًا في الإجراءات الروتينية في مرحلة ما قبل التعليم المدرسي مثل تعليق المعاطف على العلاقات والاصطفاف في طابور والجلوس على المائدة والاستلقاء لسماع قصة، لأن هذه الأحداث تتكرر كل يوم ويمكن تقليد الأطفال الآخرين، ويعد التعلم من خلال التقليد مكمن قوة ويمكن أن يستخدمه الأطفال ذوي متلازمة داون للتعلم بفعالية من الأطفال الآخرين في مواقف عديدة.
يمكن تعلم الكثير فيما يتعلق بالسلوك الاجتماعي من خلال مشاهدة الآخرين مع مرور الوقت، في الحياة الواقعية أو عبر مشاهدة مسلسلات التلفاز، ويمكن أن يمتد هذا إلى أكثر من الفصل الدراسي ليشمل عدة مواقف اجتماعية مثل النوادي والأسواق والمطاعم والحافلات ودور العبادة. يمكن أن يشمل أيضًا تعلم السلوك في العلاقات المختلفة، مثل سلوكيات الصديق/الصديقة الحميمة وسلوكيات اجتماعية أخرى للبالغين. وقد يفسر هذا أن السلوك الاجتماعي للمراهقين والبالغين من ذوي متلازمة داون عادة ما يكون في موضعه ومناسبًا لأعمارهم، على الرغم من التأخر اللغوي والإدراكي. فهم يتعلمون من خلال المشاهدة والتقليد ثم “الفعل” ويزداد فهمهم من خلال المشاركة والممارسة والتغذية الراجعة بدلًا من الشرح.
موقع الوراثة الطبية
اللعب مع الزملاء من نفس العمر
تلعب علاقات الأطفال مع غيرهم من نفس المرحلة العمرية دورًا هامًا في النمو. ويجد العديد من الأطفال الصغار صعوبة في المراحل المبكرة من اللعب مع الأطفال الآخرين، فلا يريدون مشاركة ألعابهم مع الآخرين أو أخذ الأدوار في نشاط ما، لكنهم يتعلمون القيام بذلك ويتوجهون نحو اللعب المتعاون مع الآخرين. وقد كانت هناك بحوث قليلة جدًا حول الطريقة التي يطور بها الأطفال ذوي متلازمة داون العلاقات والتعاون مع الزملاء من نفس العمر. وسيؤثر تأخر مهارات اللغة المنطوقة على قدرتهم على اللعب مع الأطفال الآخرين، وفي سنوات ما قبل المدرسة يكون لعبهم بشكل أساسي بجانب الأطفال الآخرين وليس معهم، ولكنهم يتعلمون اللعب والسلوك الاجتماعي من مشاهدة واستماع لغة الأطفال الآخرين، خاصةً مع كون الأطفال ذوي متلازمة داون عادةً يفهمون أكثر مما يعبرون. كما يبدأون الاستمتاع بألعاب التظاهر، فقد ينشغلون باللعب في زوايا المنزل بألعاب التظاهر مثل الطبخ أو إعداد الشاي مع طفل آخر، ويشاركون في هذه النشاطات برغم لغتهم التعبيرية المحدودة.
قد يستفيد الأطفال ذوي متلازمة داون في سنوات ما قبل المدرسة من كونهم جزءًا في مجموعة وأخذ الأدوار ومشاركة انتباه البالغين مع أطفال آخرين، ويعد هذا هامًا في إعداد الطفل للمدرسة، خصوصًا بعد حصول الطفل الذي لديه المتلازمة على الكثير من الدعم المنفرد (واحد إلى واحد) والخاص في سنوات ما قبل التعليم المدرسي. يستفيد الأطفال ذوي متلازمة داون من الدعم ولكنهم بحاجة أن يكونوا قادرين على التعامل ضمن المجموعة لكي لا يعتمدوا كثيرًا على الدعم المنفرد مع تقدمهم في العمر.
موقع الوراثة الطبية
الثقة بالنفس واحترام الذات
تظهر دراسات النمو الطبيعي أهمية العلاقات المبكرة في العائلة، وهي تجربة الحصول على الحب والتقدير في النطاق العائلي وتعتبر حجر الأساس في إحساس الطفل في قيمة الذات والثقة بالنفس، وإذا واجه الطفل صعوبات عاطفية وأحس بعدم الحب أو الرفض فهذا غالبًا ما يقود إلى صعوبات اجتماعية وسلوكية في البيت والمدرسة. ويجد عدد قليل من العائلات أنه ليس من السهل قبول طفل لديه متلازمة داون والقيام بالترابط الطبيعي المعتاد مع الطفل. وتشير الدراسات إلى أن هذه الصعوبات في العلاقة تؤثر على نمو الأطفال والرضع ذوي متلازمة داون بنفس الطريقة التي تؤثر بها على الأطفال الآخرين. وتؤثر تجربة كون الطفل عنصرًا محببًا في العائلة وحصوله على التقدير، وما ينتج عن ذلك من الثقة بالنفس واحترام الذات، على تطور الطفل اجتماعيًا وأكاديميًا خلال سنوات الدراسة والبلوغ.
موقع الوراثة الطبية
فهم المشاعر
بينما تشير ملاحظات الأهل والمعلمين ومقدمي الرعاية إلى أن الأطفال ذوي متلازمة داون يظهرون فهمًا جيدًا لمشاعر الآخرين في مواقف الحياة الواقعية، وعادةً ما يستجيبون بشكل مناسب، كالتعاطف مع شخص أُصيب أو انزعج، وتشكك بعض الدراسات البحثية في قدرة الأطفال على التمييز بين المشاعر الخاصة والتعابير الوجهية، وتوصلت مراجعة حديثة للدراسات حول الاستجابة العاطفية في أول سنتين من الحياة أن آلية التفاعل العاطفي تتطور بشكل مماثل في الأطفال ذوي المتلازمة وغيرهم من المواليد “لا تتعطل قدرات الحركة الاجتماعية، برغم تعطل التطور الإدراكي”. ويميز الكاتبون بشكل واضح بين هذا الوضع والأطفال المتوحدين، الذي يكون تعطل قدرات الحركة الاجتماعية عجزًا أساسيًا. وقد تمتلك كلا المجموعتين من الأطفال مجموعات من الإدراك والتأخر اللغوي ولكن الفرق في الفهم والاستجابة الاجتماعية عادة ما يكون واضحًا جدًا.
تشير الدراسات الحالية إلى أن الأطفال ذوي متلازمة داون يجدون صعوبةً في إدراك العواطف من خلال صور للتعابير الوجهية أو من وجوه الدمى المصممة لإيصال مشاعر مختلفة ويصعب عليهم تفسيرها. أحد الاحتمالات أن الأطفال قد لا يكونون على دراية بكل مسميات المشاعر، مثل “متفاجئ” و”سعيد” و”غاضب” و”خائف” و”حزين”، مع وجود بعض الأدلة أن الأهل قد لايستخدمون هذه المسميات أو أي كلمات أخرى تصف حالات شعورية بشكل متكرر عند الحديث مع الأطفال ذوي متلازمة داون. احتمال آخر أن مواقف الحياة الواقعية تزود الطفل بالعديد من المؤشرات التي تساعدهم على تمييز المشاعر بشكل صحيح مثل نغمة الصوت وحركات الجسد بالإضافة إلى إشارات ظرفية لما يحدث. وقد يتجاوبون مع مجموعة من المشاعر بردود فعل عاطفية وسلوكية مناسبة، كما يصف الأشخاص الذين حولهم، بينما لا يزالون لا يملكون أسماء للمشاعر ولا يستطيعون تمييزها من التعابير الوجهية فقط. يوجد حاجة لدراسات أخرى حول فهم المشاعر عند الأطفال ذوي متلازمة داون بعد عمر السنتين ويجب دراستها في ظروف حياتية واقعية.
موقع الوراثة الطبية
تشجيع السلوك المناسب للمرحلة العمرية
يجب توقع السلوكيات المقبولة اجتماعيًا في جميع المواقف في البيت قبل المدرسة وفي المجتمع، والتي تتناسب مع المرحلة العمرية وتشجيعها. ومن السهل على الأطفال ذوي متلازمة داون أن “يدللوا” وأن يُسمح لهم بالتصرف بطريقة غير ناضجة كنتيجة لحجمهم الصغير وتأخرهم اللغوي. مع ذلك، فإن السلوك الصعب سيؤثر على فرص الأطفال الاجتماعية وتسبب ضغطًا على العائلة، لذلك لابد من استراتيجيات إدارة جيدة. ويناقش هذا أيضًا في القسم المتعلق بالسلوك.
موقع الوراثة الطبية
مجموعة من الخبرات الاجتماعية
سيستفيد الأطفال ذوي متلازمة داون من المدى الواسع للتجارب الاجتماعية مع كلٍ من البالغين والأطفال. حيث سيتعلمون كيف يندمجون مع مجموعات مختلفة من الناس ويختبرون التوقعات الاجتماعية في مواقف مختلفة، على سبيل المثال، عند زيارة العائلات الأخرى أو الأقارب وعند الذهاب للتسوق واللعب في الحديقة والأكل في المطعم والذهاب لدار العبادة والانضمام لمجموعات الأمهات وأطفالهن والذهاب إلى حوض السباحة والمشاركة في مجموعات اللعب والالتحاق برياض الأطفال. ووفقًا لوجهة نظر المؤلف فإنه من الأفضل للطفل زيادة التجارب الاجتماعية، فإن التعلم الاجتماعي لا يحدث إلا في المواقف الاجتماعية ويتعلم كل الأطفال من ردود فعل الآخرين لسلوكهم.
تتغير الطريقة التي يتعلق بها الأطفال بالآخرين مع العمر وهذه القدرات المبكرة في التواصل مع الآخرين ترسي الأساسات للتواصل بطرق أكثر تعقيدًا وللتعاون مع الآخرين وللعب مع المجموعة وإنشاء صداقات.
موق
المرحلة الثانية: سنوات الدراسة الابتدائية
موقع الوراثة الطبية
العلاقات مع البالغين
يستمر معظم الأطفال ذوي متلازمة داون بالاختلاط الاجتماعي والحرص على التفاعل مع كلٍ من الأطفال والبالغين في سنوات المدرسة الابتدائية، على الرغم من أن مدى الاختلاط الاجتماعي للطفل سيتأثر بالشخصية والمزاج. وسيكون بعض الأطفال خجولين وهادئين وينطوون بعض الشيء عند دخول المدرسة، ويكون آخرين نشطاء واجتماعيين ومنطلقين.
يعاني الأطفال ذوي متلازمة داون في عمر الخمس سنوات من تأخر واضح في النطق واللغة، مما يؤثر على قدرتهم على التواصل في غرفة الفصل، والبيت والبيئات المجتمعية. مع ذلك فإنهم عادة يفهمون أكثر مما تشير إليه لغتهم التعبيرية وهم جيدون في التقاط الإشارات الغير لفظية مثل نبرة الصوت والتعابير الوجهية والوضعيات الجسدية، ويستخدم العديد من الناس الإشارات لدعم تواصلهم. يستطيع معظم الأطفال ذوي متلازمة داون على أداء سلوكيات مناسبة للفترة العمرية ويجب توقع نمط سلوكي مناسب للمرحلة العمرية وتشجيعه، وسوف يتعلمون الإجراءات الروتينية في المدرسة من خلال المشاهدة والتقليد ويجب تشجيعهم على التوافق مع توقعات الفصل والمدرسة لهذا العمر. ومن الجيد فيما يتعلق باحترام الذات والهوية الذاتية أن يعاملوا بطريقة مناسبة لمرحلتهم العمرية، وأن يشجعوا على الاختيار وعلى تحمل بعض المسؤولية فيما يتعلق بحياتهم اليومية، كما يفعل الأطفال الآخرون.
يتأثر سلوك الأطفال ذوي متلازمة داون مثل غيرهم من الأطفال بسلوك وتصرفات وعواطف البالغين الذين يتعاملون معهم، ولديهم سرعة بديهة في فهم المحيط والإشارات العاطفية من حولهم ليتصرفوا بشكل جيد عندما يكون المناخ العاطفي دافئًا وداعمًا وعند شعورهم بالأمان، وطريقتهم الوحيدة لإظهار إدراكهم وعدم راحتهم هي بالتصرف بطريقة مشاغبة وغير مقبولة. وبصياغة أكثر صراحة، الطفل الذي لديه متلازمة داون الغير المرغوب به في بيئة ما سيعرف ذلك، وسيستجيب لذلك بالانزعاج أو السلوك الصعب، بالطبع هذا ليس السبب الوحيد للسلوكيات الصعبة، فبعض الأطفال يصعب إدارتهم في العديد من المواقف والبعض يصبح مشاغبًا عن قصد في المواقف الجديدة.
الصعوبات في السلوك وأنواع السلوك التي قد يواجهها في المنزل أو في المدرسة تناقش بالتفصيل في قسم فهم وإدارة السلوكيات الصعبة.
موقع الوراثة الطبية
العلاقات مع الأطفال الآخرين
أظهرت العلاقات بين الأطفال ذوي النمو الطبيعي مع بعضهم البعض دورًا هامًا في جميع نواحي التطور الإدراكي والاجتماعي.
أولا، الصداقات وفرص اللعب مع الآخرين تقدم طرقًا ممتعة لقضاء الوقت. ويقدم اللعب المشترك والنشاطات الترفيهية فرصًا للتعلم الإدراكي والاجتماعي. ويكتشف الأطفال كيفية التعاون مع بعضهم وكيف يكونوا جزءًا من مجموعة، يتعلموا كيف يتوافقوا مع بعضهم ويختبروا كلًا من السلوكيات الاجتماعية الإيجابية والسلبية من خلال اللعب، ويتعلمون كيف يكسبون الأصدقاء ويحافظون عليهم، وكيف يعتني الأصدقاء ببعضهم البعض ويدعمون بعضهم. حيث يتعلمون أن الأصدقاء يتشاركون التجارب والصعاب سويةً، ويتعلمون أن الصداقة تعتمد على الإعجاب والمراعاة المشتركة وأن الأصدقاء يجعلون الشخص يشعر بشعور جيد تجاه نفسه، كما يتعلمون أي نوع من الأشخاص هم، من التغذية الراجعة وردود فعل أصدقائهم وزملائهم ضمن المجموعة. وتشير هذه القائمة الوظيفية التي تنطوي تحت مفهوم الصداقة إلى أن شح الأصدقاء ورفقاء اللعب مدعاة للقلق، ويمكن أن يقود الانطواء في الأطفال ذوي النمو الطبيعي إلى قلة احترام الذات وإلى سلوكيات صعبة وأداء مدرسي ضعيف.
لا يمتلك الأطفال ذوي متلازمة داون ميزة تكوين العلاقات مع الأطفال الآخرين بسبب تأخرهم الإدراكي واللغوي، ولكن ليس من الواضح كيف أن قلة فرص اللعب المشترك والصداقات تؤثر على نموهم، ويعتمدون بشكل أكبر على إخوتهم وأخواتهم وأصدقائهم وأهلهم وأفراد العائلة والبالغين في علاقاتهم الاجتماعية.
توضح الدراسات للأطفال ذوي متلازمة داون من عمر ما قبل التعليم المدرسي إلى سنوات المراهقة أنه ليس لديهم عدد كبير من رفاق اللعب بين أصدقائهم كما هو الحال مع الأطفال الطبيعيين. أشارت دراسة واحدة أن فقط ما نسبته 17% من الأطفال في عمر المدرسة الابتدائية من الذين يعانون من متلازمة داون قد لعبوا مع أصدقائهم خارج المدرسة. وتحدد الدراسات البحثية أن المراهقين ذوي المتلازمة أيضًا لديهم القليل من الأصدقاء خارج المدرسة وبهذا يكون معظم الأصدقاء معارف أو رفاق لعب وليسوا أصدقاء مقربين. كما يشمل صغار السن ذوي متلازمة داون أسماء إخوتهم واخواتهم غالبًا عندما يطلب منهم تسمية أصدقائهم. وتتأثر صداقات المراهقين والشباب بالفرص التي يحصلون عليها للقاء الأصدقاء ويبدو أن الصداقات والحياة الاجتماعية للبالغين تكون أفضل إذا كانوا يعيشون في بيئة مدعومة، مما يعطيهم اتصالًا اجتماعيًا أفضل مع الآخرين ليختاروا منهم أصدقاء.
يمكن اقتراح أن الفوائد المرجوة للأطفال ذوي متلازمة داون من الصداقات والنشاطات مع الزملاء قد تختلف تبعًا لكون الصديق طبيعي النمو أو يعاني من إعاقة. قد يقدم اللعب والتعلم مع الأصدقاء الطبيعيين من نفس العمر استفادة لغوية وإدراكية ويشجع السلوك المناسب للمرحلة العمرية، بينما اللعب مع أقران من نفس مستوى الإعاقة قد يمنح الأطفال الفرصة في الحصول على جلسات لعب أكثر إرضاءًلأن مهارات اللعب والتواصل ستكون متشابهة مما سيؤدي إلى تفاهم أفضل وقرب متبادل. لذلك، وبينما سيتمتع الطفل طبيعي النمو بالثمرة الاجتماعية والشعورية والإدراكية من وجود أصدقاء بنفس العمر وعلى نفس المستوى من النمو، فإن الأطفال ذوي متلازمة داون يحتاجون لكي يحصلوا على هذه الفوائد مجموعتين من الأصدقاء؛ أصدقاء طبيعيي النمو وأصدقاء لديهم متلازمة داون أو في مستوى مشابه من التأخر اللغوي والإدراكي.
موقع الوراثة الطبية
تأثير دخول المدرسة
قد يذهب الأطفال ذوي متلازمة داون إلى المدارس العامة أو إلى مدارس خاصة للتعليم بدوام كامل وكلُ من هذين الخيارين سيقدم فرصًا مختلفة في الصداقات والتعلم الاجتماعي، حيث تشير الدراسات إلى أن الأطفال المسجلين في المدارس العامة (ليسوا في فصول أو وحدات خاصة) من المرجح أن يحصلوا على أصدقاء ذوي نمو طبيعي ومن غير المرجح أن يكونوا صداقات مع أشخاص ذوي مستوى مماثل من العجز في النمو على عكس الأطفال المسجلين في مدارس أو فصول خاصة.
تشير الدراسات بشكل متتابع إلى المزايا الواضحة للتضمين على مهارات اللغة التعبيرية وعلى نضج السلوك الاجتماعي. إن الأطفال ذوي متلازمة داون والذين يستطيعون التعبير عن أنفسهم بوضوح وبكفاءة ويمكنهم التعامل مع المدارس ذات المساحات الكبيرة واستخدام المقصف وبشكل عام تناسب سلوكياتهم أعمارهم يعتبرون محظوظين ومتقدمين اجتماعيًا، عند مقارنتهم بأولئك الذين يتلقون تعليمهم في مدارس لذوي الاحتياجات الخاصة. وهكذا يساعد التضمين في التعليم الأطفال بشكل واضح عند تكوين الصداقات وعند المشاركة في المجتمع ويجب حفظها وتذكرها عند قراءة النقاش الآتي حول الصداقات.
طلبت الدراسات البحثية من الأهل كتابة تقرير عن الصداقات ولكن معظم الدراسات لم تحدد ما تقصده بأصدقاء، لذا كانت النتائج صعبة التفسير. تتفاوت العلاقات الاجتماعية مع الآخرين في مدى الترابط بدايةً من المعارف إلى رفاق اللعب إلى الأصدقاء وإلى الأصدقاء المقربين وإلى الصديق أو الصديقة الحميمة ثم إلى الشركاء، فطبيعة الصداقة هي ما يحدد أهميتها الاجتماعية والعاطفية.
يقدم الاختلاط بالأطفال ذوي النمو الطبيعي من نفس المرحلة العمرية في بيئة مدرسية شاملة محفزًا لنماذج القدوة لتعلم السلوك المناسب للمرحلة العمرية وللغة المنطوقة، حيث يساعد الطفل في تطوير سلوكيات اجتماعية ناضجة ومناسبة للعمر، ومع ذلك فيمكن أن يميل الأطفال الآخرين للمساعدة والدعم بدلًا من كونهم أصدقاء “متكافئين”، وهو دور قيم جدًا ولكنه يختلف عن الصداقة “المتكافئة”، فقد يشعر الطفل الذي لديه متلازمة داون بأنه مختلف ويدرك أنه لا يستطيع فعل كل ما يستطيع زملاؤهم في الفصل فعله.
إن اختلاط الأطفال من نفس العمر وفي نفس مستوى التأخر في الإدراك واللغة، أو تطوير الأطفال الأصغر سنًّا بشكل نموذجي يمنكنهم من الاستمتاع بتجربة لعب أنجح. لا يوجد سوى القليل من الأبحاث عن موضوع تطوير العلاقات الاجتماعية والصداقات عند الأطفال الذين يعانون من متلازمة داون خلال سنواتهم الأولى، إلا أنه جاء في دراسة منشورة حديثًا عن رفاق اللعب أن مستوى اللعب عند الأطفال ذوي متلازمة داون كان أفضل عندما تم اختيار رفاقهم في اللعب من نفس العمر، والجنس، وفي نفس الصف المدرسي سواء كانوا من ذوي الإعاقة أم لا.
كان الأطفال في هذه الدراسة من سن المدرسة الابتدائية (متوسط أعمارهم ثماني سنوات وشهران)، وكان رفاقهم في اللعب من نفس العمر. كانت نوعية اللعب المتواصل أفضل عندما يكون الطفلان صديقين لمدة أكثر من ستة شهور، وكان يصنف الأطفال الذين يرتادون نفس الصف المدرسي (سواء خاصًا أو عاديًا) في أحيان كثيرة كأصدقاء وليس فقط كرفاق في اللعب، مما يعني أن العلاقة بينهم كانت أكبر والدعم كان متبادلًا. قد يعكس هذا نمط الأطفال في تكوين الصداقات، فهي تحتاج إلى التواصل مع صديق محتمل ولمدة من الزمن حتى تتكون. كما تحتاج الصداقات إلى دعم الأهل في هذا العمر، وقد كان في هذه الدراسة تواصل دائم بين أهالي الأصدقاء. وقد أظهر الأطفال الذين كانوا يتعلمون في صفوف مدرسية خاصة مهارات أفضل في اللعب سواء كان رفاقهم في اللعب من ذوي الإعاقة أم لا، وقد يكون هذا بسبب نيلهم فرصة أفضل لتجربة لعب ناجحة ومرضية مع رفيق “مشابه لهم”.
من الواضح أن هناك فوائد هامة تنتج من وجود أصدقاء من نفس العمر ممن يحظون بنمو طبيعي، وأصدقاء من نفس العمر وفي نفس مستوى الإعاقة في التعلم، ولذلك يجب على الأهل التأكد من توفير الاثنين. أثناء نمو الأطفال ذوي متلازمة داون في المدرسة الابتدائية يزداد إدراكهم لوجود اختلافات بينهم وبين غيرهم من الأطفال ويكون من المهم وجود أصدقاء من الذين لديهم نفس الإعاقة ليدعموا فهمهم لحالتهم. يستطيع الأفراد الذين يعانون من أي إعاقة من المراهقين والبالغين معرفة أهمية وجود أصدقاء من ذوي نفس الإعاقة ليجدوا فهمًا ودعمًا متبادلين، وتكون صداقاتهم مع أقرانهم الأصحاء بنفس الأهمية بالنسبة إليهم، فالصداقات المتنوعة تساهم في حياة الفرد بأشكال مختلفة.
سيستفيد الأطفال ذوو متلازمة داون من وجود دعم مخطط لتطورهم الاجتماعي وصداقاتهم داخل وخارج المدرسة، فهم سيصبحون أكبر سنًّا قبل أن يتمكنوا من السير إلى بيوت أصدقائهم أو تنظيم حياتهم الاجتماعية.
ومن الأمثلة على الدعم المخطط لهؤلاء الأطفال ما تقوم به مجموعة من الأشخاص الذين يعملون في برشلونة في إسبانيا، حيث أنهم يخلقون فرصًا لأطفال متلازمة داون الذين يرتادون برنامجًا تعميميًا في التعليم للتلاقي بشكل أسبوعي وذلك لهدفين: تطوير مهاراتهم الاجتماعية ومهاراتهم في اللعب، ودعمهم ليفهموا ما يعنيه كونهم ذوي متلازمة داون.
موقع الوراثة الطبية
الدعم أثناء وقت اللعب ووقت الغداء
سيستفيد الأطفال ذوي متلازمة داون في المدارس التضمينية من وجود دعم مخطط يمكنهم من الاندماج الاجتماعي الكامل، فمن أهداف التضمين في التعليم محاولة تحسين دمج الأطفال ذوي الإعاقة في مجتمعاتهم. وكما أسلفنا الذكر فإن هؤلاء الأطفال لا يملكون نفس المجال من الصداقات المتاحة أو فرص اللعب وتكوين العلاقات الاجتماعية كالأطفال الذين ينمون نموًّا نموذجيًّا. ويجب أن يكون عدد الأصدقاء الذين يكونهم الطفل وعدد الأنشطة الاجتماعية التي يشارك فيها سواء داخل أو خارج المدرسة مقياسًا مهمًّا لنجاح تجربة التعليم التضميني. ومن المأمول أن الأصدقاء الذين يكونهم الطفل داخل المدرسة سيكونون أيضًا أصدقاءه بعد انتهاء الدوام مما قد يحسن من تضمين الطفل ودمجه في المجتمع.
في المدرسة، يحمل الوقت المخصص للعب ووقت الغداء أهمية خاصة في تكوين الصداقات وضمان التضمين الاجتماعي، وفي تجارب المؤلفين المكثفة لدعم التضمين في المدارس العامة، وجدوا أن بعض الأطفال من ذوي متلازمة داون اجتماعيون فعلًا ويملكون ثقة كافية لتكوين الصداقات والاندماج في اللعب في ملعب المدرسة دون أي تخطيط إضافي، إلا أن المعظم يستفيدون من إيلاء احتياجاتهم تفكيرًا معمقًا. يعاني معظم الأطفال ذوي متلازمة داون من تأخر ملحوظ في نطق اللغة بالنسبة لأعمارهم كما تكون مهاراتهم في اللعب أقل نضوجًا، لذلك يجب التفكير في تشجيع الأطفال الآخرين على تطوير ألعاب جماعية يمكن لهذا الطفل أن يشارك فيها، وكي يستطيع الطفل المشاركة بشكل فعلي، يجب أن يكون النشاط في إطار قدراته. فيستطيع الأطفال الآخرون أن يشاركوا في لعبة أبسط من مستواهم بكل سهولة كما يكونون في العادة مسرورين لفعل ذلك من أجل إشراك الطفل.
في معظم حالات المدارس التضمينية، ينال الطفل الذي يعاني من متلازمة داون دعمًا خاصًّا من مرشد لدعم التعلم والذي يجب أن يكون من أهم واجباته تسهيل التضمين الاجتماعي. ويتطلب هذا من المعلمين والمرشدين ملاحظة ما يحدث مع الطفل أثناء أوقات اللعب وتناول الغداء، والتفكير في مساعدة الأطفال الآخرين على تضمين الأطفال ذوي متلازمة داون. من المهم أن تكون مواقف البالغين إيجابية ليكونوا قدوة للأطفال الطبيعيين، كما أن النقاش الصريح والواضح مع الأطفال الطبيعيين عن الإعاقة وعن ماهية شعور الشخص المعاق سيساعدهم على التفكير بطرق لتضمين الطفل الذي يعاني من متلازمة داون. إن وجود الدعم من الأقران مثل تقسيم الأطفال إلى فرق من اثنين أو تنظيم حلقات الأصدقاء ونوادي الغداء يساعد على التأكد من تضمين الأطفال.
أحيانًا يكون وجود مرشد لدعم التعلم عائقًا أمام تكوين علاقات اجتماعية مع الأطفال الآخرين، وحتى في بداية المدرسة الابتدائية يميل الأطفال الآخرون لدعم وتضمين الطفل ذي متلازمة داون بشكل أكبر إذا بقي المرشد بعيدًا عن الأنظار. تتنوع المدارس حول العالم بشكل كبير من حيث المناخ الاجتماعي والثقافي؛ ففي بعض الدول يكون إنشاء مدارس تضمينية أكثر تقدمًا منه في دول أخرى. فعلى سبيل المثال في المملكة المتحدة لا تعرف المدارس دائمًا أن من أهم الموارد التي يجب اللجوء إليها لدعم تضمين الأطفال ذوي متلازمة داون هم بقية الأطفال، وبالتالي نادرًا ما يستخدمون هذا المورد بل يميلون إلى البحث عن شخص بالغ يقدم الدعم للطفل بدلًا من استخدام طرق تشمل أقرانه وتحثهم على دعمه وتضمينه.
إن إشراك بقية التلاميذ أمر مهم إذا كان الهدف من التضمين زيادة مشاركة الأطفال ذوي متلازمة داون في البيئة الاجتماعية خارج المدرسة وإذا كان هناك سعي لتغيير الموقف تجاه الإعاقة من كل جيل الأطفال الذين سيصبحون جيرانهم وزملاءهم في العمل. لقد لاحظ الكاتب الأول أن العديد من المدارس في الولايات المتحدة وكندا أكثر تقدمًا في تكوين مجتمعات تضمينية. ففي هاتين الدولتين، وُجد أن الأطفال هم المشاركون الأساسيون في عملية الدعم الاجتماعي والعملي للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أن التخطيط المفصل مع الأطفال والآباء يضمن استمرار إشراك هؤلاء الأطفال في النشاطات الاجتماعية خارج الدوام المدرسي؛ فمثلًا يمكن أن يعمل التلاميذ وأهاليهم مع طاقم المدرسة على التخطيط لحلقات أصدقاء تغطي الإجازات وتدعمهم في حال الانتقال إلى مدرسة جديدة.
الأصدقاء خارج المدرسة
يحتاج تكوين الصداقات مع الأطفال طبيعيي النمو خارج المدرسة إلى التخطيط والدعم من قبل الأهل، كما يحتاج إلى استخدام إستراتيجيات تم تطويرها داخل المدرسة كما ذكرنا في القسم السابق. وبناءً على تجارب الكُتّاب فإن الصداقات داخل المجتمع لا تزداد بمجرد تضمين الطفل في المدارس العامة. وجاء في دراسة عن الصداقات في المدارس الابتدائية أن الأطفال ذوي متلازمة داون هم في المتوسط من الأطفال المحبوبين داخل المدرسة. فمثلًا كانت فرص هؤلاء الأطفال في تلقي دعوة من الأطفال الآخرين للعب أو تناول الغداء مماثلة لفرص بقية الأطفال، إلا أنهم يدعون بشكل أقل إلى منازل زملائهم للعب بعد المدرسة.
لم تستطع الدراسة أن تفسر هذه النتيجة ولكنها قد تعكس مواقف أهالي الأطفال الأصحاء الذين قد لا يشعرون بالثقة حول استضافة طفل يعاني من متلازمة داون للعب في منزلهم. ويبدو أنه من الضروري على أهل الأطفال ذوي متلازمة داون أن يبدأوا بالخطوة الأولى ويقدموا دعوة للأطفال الآخرين من الفصل أو الحي لمنزلهم، وعلى الأغلب أنه من المهم التعمد لتكوين صداقات مع أهالي الأطفال الأصحاء والطلب إليهم بشكل صريح المساعدة في تضمين الطفل الذي لديه متلازمة داون؛ لأن أهل الأطفال الذين ينمون بشكل طبيعي قد لا يعوا الخطر الحقيقي الذي قد ينتج عن تقييد التجربة الاجتماعية للأطفال المعاقين إلا إذا تم توعيتهم عن ذلك بشكل صريح.
لحسن الحظ أن المجتمعات اليوم أكثر ترحيبًا بالأطفال ذوي متلازمة داون في النوادي والأنشطة المجتمعية عما كان عليه الحال منذ عشرين عامًا، إلا أن قدرة الأطفال ذوي متلازمة داون على الاستفادة من ترحيب كهذا تعتمد على سلوكهم، فالطفل الذي لا يتبع القوانين أو يميل إلى التخريب يلقى بالطبع ترحيبًا أقل في نشاطات المجتمع.
موقع الوراثة الطبية
مجال الصداقات خارج المدرسة
كما شددنا سابقًا، فإن كلمة “صديق” تستخدم لتغطي نطاق من العلاقات من بداية التعارف إلى زملاء اللعب إلى الأصدقاء الحميمين. يستفيد معظم الأطفال والبالغين من مدى واسع من الصداقات وتشير الدراسات إلى أن شبكات الصداقات والعلاقات الاجتماعية مهمة لرفاهية الشعور حيث أن المراهقين والبالغين المعزولين اجتماعيًا هم أكثر عرضة للإحباط وأقل قدرة على التكيف مع أزمات الحياة التي لا يمكن تجنبها مثل موت صديق أو قريب.
لقد وصف بعض المؤلفين صداقات الأطفال من ذوي الإعاقة مع أقرانهم الأصحاء بكونها من نوع “المساعدة”. وتكوين أصدقاء ليصبحوا زملاء لعب بشكل منتظم أو ليكونوا أصدقاء حميمين يأخذ وقتًا. يحتاج الأطفال أن يقضوا الوقت معًا حتى يبنوا صداقات، وينطبق هذا على الصداقات مع الأطفال المعاقين أو الأصحاء. لقد طرحنا سابقًا أن الأصدقاء في نفس مستوى العجز التعلمي والأصدقاء الذين يعانون أيضًا من متلازمة داون قد يلعبون دورًا هامًا في حياة الأطفال ذوي متلازمة داون، ويجب على الأهل التأكد من أن أطفالهم يملكون فرصة تكوين الصداقات مع آخرين من ذوي الإعاقات عن طريق دعوتهم للعب، والبقاء على تواصل مع أهلهم وإيجاد نشاطات اجتماعية تشمل أطفالًا مصابين وغير مصابين بإعاقات.
يشكل معظم الآباء صداقات مع عائلات يملكون أطفالًا معاقين قبل سنوات المدرسة ومن المهم الإبقاء على هذه الصداقات بعد التزام الأطفال بدوام مدرسي كامل وخاصة عندما يلتحقون بمدارس عامة، لأن الطفل الذي لديه متلازمة داون ويداوم في مدرسة عامة يكون غالبًا الطفل الوحيد في درجة التأخر التعلمي وبالتالي لن يجد هذا الطفل أصدقاء من ذوي الإعاقة في مدرسته.
يرى المؤلفون أن من الضروري من أجل صالح الطفل الذي لديه متلازمة داون وتكيفه ألا يتم رفض صداقاته مع آخرين مصابين بإعاقات أثناء نموهم. وترجع أهمية وجود أصدقاء لديهم متلازمة داون أو في نفس درجة التأخر في التعلم إلى سببين رئيسيين وهما أولًا وجود علاقات حميمة وداعمة بشكل متبادل، وثانيًا دعم فهم الطفل لإعاقته. إن عملية تحديد الهوية وفهم النتائج بعيدة المدى للإصابة بمتلازمة داون أمر يحتاج إلى عدة سنوات، ومن تجربة الكُتّاب فإن العديد من الأطفال والمراهقين يدركون اختلافهم وإعاقتهم بشكل أكبر مما يستطيعون التعبير عنه. وهناك من الأدلة ما يشير إلى أن تضمين هؤلاء الأطفال في مدارس التعليم العامة قد يعزلهم عن هذه الصداقات ويحرمهم بالتالي من تكوين صداقات خاصة وشركاء في نهاية مرحلة المراهقة وبداية مرحلة البلوغ.
ومن المهم لمنع هذه النتيجة الإبقاء على الصداقات مع الأطفال الآخرين الذين يعانون من متلازمة داون خلال سنوات الدراسة الابتدائية.
موقع الوراثة الطبية
العلاقات مع الإخوة والأخوات
يلعب الإخوة والأخوات دورًا مهمًّا جدًّا في حياة الأطفال ذوي متلازمة داون، حيث أنهم يعتبرونهم زملاءهم في اللعب وأصدقاءهم منذ سنوات حياتهم الأولى وفيما بعد. وتشير بعض الدراسات إلى أن الصعوبات بين الإخوة والأخوات تكون مماثلة أو حتى أقل في العائلات التي تملك طفلًا معاقًا عن تلك التي لا تملك واحدًا؛ فجاء في إحدى الدراسات أن فقط 2% من الأمهات اللاتي يملكن طفلًا لديه متلازمة داون يقلقن بشأن العلاقات بين الإخوة والأخوات مقارنة ب 13-19% في العائلات المقارنة.
يذكر الأهل بشكل متكرر أنهم يشعرون أن بقية أطفالهم قد أصبحوا أكثر تسامحًا وتفهمًا مع الآخرين نتيجة وجود أخ أو أخت لهم من ذوي متلازمة داون، إلا أن التأثير على الآخرين في العائلة يختلف تبعًا لمستوى الصعوبات التي يواجهها الطفل ذو متلازمة داون، وتبعًا لموقف الأم والأب ومدى تكيفهم مع احتياجاته. تشير الدراسات إلى أن العائلة التي تخوض صراعًا ما أو ضغطًا كبيرًا، تظهر علامات البؤس على كل أطفالها.
المرحلة الثالثة: المراهقون والبالغون الصغار
في النمو الطبيعي، تتميز العلاقات أثناء فترة المراهقة باستقلالية متزايدة عن الأهل، وبالتالي ازدياد أهمية مجموعة الأصدقاء المكونة من أقران من نفس السن، فالشباب يكونون مجموعة أصدقائهم الخاصة ومن ثم الأصدقاء المقربين والشركاء أثناء بنائهم لحياتهم الخاصة بهم. تؤكد كل الدراسات المتعلقة بالمراهقين ذوي متلازمة داون أن الأمور لا تسير بهذه الطريقة بالنسبة لهم ولا في هذا العمر ويرجع هذا على الأغلب إلى محدودية تواصلهم وضعف مهاراتهم في التنقل بشكل مستقل، فالمراهقون ذوي متلازمة داون لا يزالون يعتمدون على عائلاتهم في تنظيم حياتهم الاجتماعية.
تعتبر فترة المراهقة وقتًا يحمل الكثير من التغيير عند الجميع، من حيث النمو العقلي والجسمي وظهور علامات البلوغ، ومن حيث الاتجاه إلى القيام بأدوار البالغين في المجتمع والبدء في تحمل المسئوليات واختيار النشاطات الاجتماعية وغيرها من خيارات الحياة. وتبدأ التغيرات الجسدية عند ذوي متلازمة داون بنفس العمر الذي تبدأ فيه عند غيرهم، فيتكيفون مع نفس تغيرات النمو وعلامات البلوغ كغيرهم ومعظمهم يتكيف معها بطريقة إيجابية. إلا أن فرصة ذوي متلازمة داون بالحصول على رفيق أو رفيقة تتأخر عادة إلى آخر فترة المراهقة أو حتى بداية البلوغ، وليس ومن الواضح بعد إن كان هذا مرتبطًا بتوقعات الناس المحيطين بهم أو الفرص التي يحظون بها للخروج في موعد، أو إن كان ناتجًا عن تأخر نضوجهم اجتماعيًا.
يحظى العديد من المراهقين في أواخر فترة المراهقة بصديق مميز، وحتى رفيق أو رفيقة، وعادة ما تجد الأسرة نفسها تواجه رغبات المراهقين بالزواج والإنجاب أو في العيش في بيت خاص بهم، ورغم صعوبة هذه التوقعات وبعدها عن المنطق، إلا أنهم يقتدون بالبالغين المحيطين بهم ولو لم تتم مناقشة هذه المواضيع بشكل صريح يوضح الصعوبات الناتجة من الإعاقة التي لديهم، سيستمرون في توقع تحقيق هذه الرغبات. في المقابل، فإن الكثير من الرغبات المصاحبة للحياة كأشخاص بالغين ليست مستحيلة ويمكن تحقيقها في وجود الدعم المناسب؛ فمثلًا العيش المستقل وحتى امتلاك بيت خاص ووظيفة وشريك كلها أمور يمكن العمل على تحقيقها، وبالنسبة لإنجاب الأبناء فهذا أمر يحتاج إلى نقاش صادق في حال أثار الشاب هذا الموضوع، ويحتاج إلى توضيح العقوبات والمسائل الأخلاقية التي يثيرها هذا الطلب، فالتربية الجنسية من حق الجميع احترامًا لحقوقهم كبالغين.
موقع الوراثة الطبية
تحديد الهوية والصداقات
خلال سنوات المراهقة يزداد معظم الشباب وعيًا بأنفسهم، وبالنسبة للمراهقين ذوي متلازمة داون فإنهم يزدادون وعيًا بإعاقتهم وخاصة في منتصف وأواخر سنوات العقد الثاني، فهم يرون كيف أن أصدقاءهم في المدرسة أو إخوتهم وأخواتهم يخرجون في مواعيد ويسهرون خارجًا وكيف يذهبون للنوادي ويتعلمون قيادة السيارة ويحصلون على وظيفة ويتركون المنزل، ومعظمهم يدركون أن هذه الأمور لا تحدث معهم بنفس الطريقة. هناك العديد من المسائل التي نناقشها بشكل أوسع في نماذج المراهقين، ولكن يمكن القول إن من واجب الأهل الانتباه إلى أهمية وجود أصدقاء مقربين في هذا العمر وبالأخص من الذين يمرون بنفس التجربة بسبب وجود إعاقة أيضًا.
تقترح دراسات المؤلفين وغيرها أن من المهم الاشتراك في النوادي والأنشطة التي تمنح المراهقين الفرصة لمقابلة أصدقاء من ذوي الإعاقة، من أجل تحقيق التفاهم والدعم المتبادل الذي ينبع من تشابه التجارب ومن أجل تكوين صداقات حميمة وعلاقات داعمة بشكل متبادل. قد يكون هذا أكثر سهولة في حال ذهاب المراهقين إلى مدارس خاصة بهم بحيث يمكن أن يذهبوا إلى نوادي خاصة ويمارسوا نشاطات مع أصدقائهم في المدرسة، أما أهالي المراهقين الذين يدرسون في مدارس عامة فقد يحتاجون إلى البحث بأنفسهم عن هذه الفرص. يلاحظ العديد من آباء الشباب في أواخر سن المراهقة وأوائل البلوغ خطر الانعزال الاجتماعي والحاجة المستمرة لتأمين الفرصة لأبنائهم لإيجاد أصدقاء عن طريق تنظيم حفلات في النوادي والبحث عن وسائل وأنشطة رياضية ترفيهية.
موقع الوراثة الطبية
العلاقات داخل العائلة
يظل الكثير من الشباب ذوي متلازمة داون اجتماعيين ويكونون علاقات طيبة مع الآخرين أثناء فترة المراهقة، ومن حيث الصعوبات السلوكية فإن ذوي متلازمة داون يصبحون أسهل في التعامل كلما ازداد عمرهم. يتكيف معظم الصغار مع البلوغ دون صعوبات تذكر، وقد يظهرون مشاكل في تكوين الصداقات بشكل أقل من الأصحاء في سنوات المراهقة الأولى. ولكن أحيانًا تكون الصعوبات المرتبطة بالمراهقة مسألة مهمة بسبب وعي المراهق المتزايد بحقيقة كونه ذو متلازمة داون والقيود التي ستفرضها هذه الحقيقة على حياتهم كبالغين.
يمر بعض الشباب بمرحلة من اليأس أو الانعزال ويمر آخرون بمرحلة من السلوك العنيف كونهم في الغالب لا يستطيعون التحدث عن مشاعرهم أمام الأصدقاء أو العائلة، لذلك فإن مساعدة المراهقين على الإيمان بقدراتهم وتقديرها بدلًا من التركيز على الاختلافات يدعم اعتزازهم بأنفسهم.
إن الكثير من الشباب في الواقع أكثر وعيًا بحالتهم وبالتغيرات المصاحبة لبلوغهم مما يتوقع الآخرون، فيظهر العديد من المراهقين ذوي متلازمة داون اهتمامًا طبيعيًا بالجنس الآخر وبثقافة المراهقة ككل. روبرتا على سبيل المثال، وهي ابنة الكاتب الأول أرادت أن ترتدي الجينز إلى المدرسة وأن تجلس مع الأولاد في الباص عندما وصلت سن البلوغ في عمر الثلاث عشرة سنة، كما كانت تعرف كل النجوم المشهورين، وفرق الكرة البارزة ونشاطات نجوم المسلسلات. كانت تتصرف كمراهقة وتظهر كل المشاعر والاحتياجات الاجتماعية التي تظهرها بقية الفتيات في سنها رغم تأخرها اللغوي والإدراكي، وغياب أي قدرة على القراءة أو الرياضيات. وتابعت روبرتا حياتها لتصبح مستقلة وواثقة في نفسها كالبالغين، وكانت دائمًا تظهر أن لديها حاجات اجتماعية وشعورية ملائمة لعمرها مثل الحاجة إلى الخصوصية، ووجود بيت خاص بها ومنفصل عن عائلتها، بالإضافة إلى حقها في الاختيار وفرص التعلم والعمل والترفيه والصداقات والعلاقات المقربة. ولم تكن روبرتا لتظهر هذه الاحتياجات المرتبطة بسنها لولا أنها نالت فرصة خوض هذه التجارب عن طريق دعم وجودها كجزء من المجتمع. وعلى القدر الذي يمكن تقييمه من ملاحظة سلوكها وثقتها بنفسها، نجد أن شعورها بهويتها الشخصية واعتزازها بنفسها تغيرا بشكل إيجابي نتيجة السماح لها بخوض التجارب التي يخوضها البالغون حتى وإن لم تستطع أن تضع ذلك في كلمات تعبر عن هذا التغيير، فقد تعلمت آداب السلوك عن طريق تقليد الآخرين بالتجربة من خلال الملاحظة والمشاركة.
يجب التشديد على أهمية اهتمام الأهل بحق الصغار ذوي متلازمة داون في أن يصبحوا بالغين، وعادة ما تكون هذه الخطوة هي الأصعب حتى بالنسبة للآباء الذين ناضلوا من أجل تضمين أبنائهم في التعليم والعمل. يملك كل بالغ الحق في الحصول على العلاقات المتنوعة، والعيش مستقلًا، ونيل مختلف الفرص الاجتماعية داخل المجتمع. يعرّف معظم البالغين ذوي متلازمة داون أصدقاءهم المقربين حقًّا بكونهم أناس في نفس مستوى الإمكانيات والاهتمامات –مثلما يعرف بقية الناس الأصدقاء المقربين-، كما يميلون إلى اختيار شركاء لديهم احتياجات مشابهة.
موقع الوراثة الطبية
العلاقات داخل المدرسة
ينطبق الكثير من الامور المتعلقة التي ذكرناها عن تكوين الصداقات داخل وخارج المدرسة أثناء المرحلة الابتدائية على مرحلة المدرسة الثانوية. فتضمين المراهقين اجتماعيًا داخل وخارج المدرسة يحتاج إلى الدعم والتخطيط المسبق، وفي الواقع، فإن الكثير من المراهقين ذوي متلازمة داون والذين يرتادون المدارس العامة يملكون أصدقاء ويشاركون في النشاطات الاجتماعية، إلا أن بعض المراهقين يواجهون صعوبات ملحوظة ويتجهون إلى العزلة الاجتماعية. ويؤثر كل من طباع المراهق وشخصيته وسلوكه وقدراته اللغوية على ثقته بنفسه ومشاركته الاجتماعية.
يجب على الآباء والمدرسين أن يخلقوا فرصًا لتمكين هؤلاء المراهقين من إيجاد مدى واسع ومتنوع من الصداقات، وتشير دراسات المؤلفين إلى أن وضعهم في المدارس يؤثر فعلًا على صداقاتهم، فالمراهقون الذين يرتادون المدارس الخاصة يميلون إلى تكوين صداقات أكثر مع ذوي الاحتياجات الخاصة ويتواصلون بشكل أقل مع أقرانهم الأصحاء بينما يحدث العكس في حالة المراهقين الذين يتم تضمينهم في المدارس العامة.
في دراسة حديثة تم سؤال عدد من صغار السن ذوي متلازمة داون وأهلهم ومرشديهم لدعم التعلم عن الصداقات، وكانت النتائج أن هؤلاء الشباب كانت لديهم مفاهيم واضحة وصحيحة عن الصداقة واستطاعوا أن يصفوا نشاطات ملائمة لسنهم يمكن مشاركتها مع الأصدقاء مثل ممارسة الرياضة معًا ولعب ألعاب الحاسوب ومشاهدة التلفاز أو الفيديو والسماع إلى الموسيقى، بالإضافة إلى الجلوس معًا والحديث أو الخروج لتناول الطعام والسينما. يستطيع معظم الشباب أن يسموا صديقًا واحدًا على الأقل ويشير معظمهم إلى أنهم يرحبون بالمزيد من الأصدقاء، حيث كان بعض المراهقين في الدراسة يرتادون مدارس عمومية من المدارس التي كانت تملك قاعدة إمدادات للاحتياجات الخاصة ويسجل فيها مجموعة من الشباب الذين لديهم إعاقات في التعلم. أما بقية المراهقين ذوي متلازمة داون فكانوا يرتادون مدارس عامة محلية بشكل فردي ويدرسون في صفوف مناسبة لأعمارهم. ذكر المراهقون الذين يرتادون هذه المدارس “المدعومة” أن لديهم أصدقاء أكثر وقد يرجع ذلك إلى أنهم يحظون بفرصة أكبر للقاء أشخاص لديهم نفس الاحتياجات الخاصة، وذكر العاملون في المدرسة أن كل المراهقين كانوا يجدون سهولة أكبر في تكوين أصدقاء من ذوي الاحتياجات الخاصة، كما ذكروا أن أقرانهم الأصحاء كانوا دائمًا داعمين وطيبين وخدومين إلا أن تكوين صداقات متكافئة كان يبدو صعبًا لاختلاف القدرات والاهتمامات.
في المدرسة، عبر العاملون عن الحاجة للدعم من البالغين لتضمين الصغار ذوي متلازمة داون في الدروس وأثناء الغداء ووقت الفرصة. كان معظم الطلاب ذوي متلازمة داون قليلًا ما يختارون شركاء أو يشركون أنفسهم في مجموعات، وكانوا أحيانًا يشاركون في الحديث لكن نادرًا ما يبدأونه.
ذكر الآباء أن من الصعب أن تنتقل الصداقات التي تتكون في المدرسة إلى خارجها لأن الأصدقاء غالبًا ما تكون أماكن سكنهم بعيدة جدًّا. اشترك الشباب في أنشطة ترفيهية في بيوتهم مثل السماع إلى الموسيقى، ومشاهدة التلفاز وبعض الهوايات الأخرى، وقد تشابهت النشاطات الفردية المذكورة في كلتي الدراستين اللتين أجراهما المؤلفون على المراهقين. وأكد الآباء أن من المفيد وجود فرص ترفيه منظمة من أجل أبنائهم في المجتمع وبالأخص أثناء الإجازة الصيفية، وكان معظم الآباء قلقين على حياة أبنائهم المراهقين الاجتماعية ومنتبهين إلى أهمية وجود المزيد من الأصدقاء والنشاطات.
ما جاء في هذه الدراسة عن الصداقة وأنماط المحادثات قد يكون نتيجة لمهارات الحديث واللغة عند المراهقين ذوي متلازمة داون، فمعظمهم لا يملكون القدرة على الحديث بصورة طلقة وذكية وهم يعلمون أنهم حين يطرحون موضوعًا جديدًا للحديث قد لا يفهمهم الآخرون، ولكن في حال مشاركتهم في حديث تم اختيار موضوعه من قبل الآخرين فغالبًا ما يتم فهم حديثهم. بكلمات أخرى، فإن من الإستراتيجيات التي قد تخدمهم عدم البدء في المحادثة بشرط أن يشتركوا فيها منذ أن تبدأ. هناك دليل آخر يثبت صحة هذه الفكرة، ففي دراسة أخرى عن التفاعل الاجتماعي في الظروف التضمينية جاء أن المراهقين كانوا أقل ميلًا لبدء المحادثات الاجتماعية إلا أنهم كانوا يشاركون فيها بقدر أقرانهم الأصحاء.
إن الاعتماد على البالغين لدعم تضمينهم اجتماعيًا قد يكون نتيجة لدعم زائد من البالغين للطفل منذ المدرسة الابتدائية، مما يعني أن الدعم الزائد من البالغين قد يمنع الطفل من تعلم كيفية التفاعل مع الأطفال الآخرين بطريقة طبيعية وقد يمنع الأطفال الآخرين من تضمين الطفل وصداقته بشكل طبيعي.
توجد حاجة للقيام بدراسات طولية لتوسيع فهمنا للمهارات الاجتماعية للأطفال والمراهقين ذوي متلازمة داون وقدرتهم على تكوين الصداقات وبالأخص دور وأثر طريقة الدعم المقدم من البالغين على تقدمهم في المدارس التضمينية.
موقع الوراثة الطبية
ترجمة
أخونا الفاضل ضيدان آل سفران – أبو خالد
المصدر
http://www.down-syndrome.org/information/social/overview/?page=2